أول
العرب ...
هم الفلسطينيون
نزار قباني
أول العرب . . هم الفلسطينيون
و آخر العرب . . هم الفلسطينيون و بينهما لا يوجد أحد .. ولا يوجد شيئ . . أول كلمة في التاريخ العربي تبدأ بحرف ( الفاء ) . و آخر كلمة تنتهي بحرف ( الفاء ) . . و بين ( الفاءين) حفرة عميقة . . عميقة . . تبدأ بوفاة رسول الله محمد بن عبد الله ، وتنتهي بوفاة المروءة العربية بالفالج الكلي لا النصفي . . أول حدود الشرف هم الفلسطينيون. وآخر حدود الشرف هم الفلسطينيون. و بينهما قوم عاهدوا الله على أن لا يشهروا سيفاً . ولا يمتطوا فرساً. ولا يحموا عرضاً. ولا يردوا معتدياً. . و لا ينصروا جاراً ولا يستقبلوا فلسطينياً إلا بعد تجريده من صوته ومن غضبه . ومن سلاحه و بعد الوساطة و الرجاء و تقبيل الأيدي . . برحيل الفلسطينييين إلى أقدارهم الجديدة ، يرحل الجزء المعافى، والشجاع ، والفاعل ، و المتحرك من الأمة العربية ، ويبقى الجزء المريض ، و المشلول ، و المعاق . . يذهب الذين يصنعون الحلم .. و يبقى الذين لا يحلمون بشيئ . . ولا يفكرون بشيئ .. سوى الحكم و التحكم .. يذهب المدافعون عن شرف الأرض . و يبقى الذين يقشرون البصل في مطبخ الهزيمة . . يذهب أصحاب الرؤية و البصيرة . ويبقى الحشاشون . يذهب المقاتلون و يبقى الهاربون من الجندية . . يذهب الذين يعانقون بنادقهم و ينامون و يبقى الذين يعانقون جواريهم . . و يشخرون . يذهب الذين يحملون السلاح . . ويبقى الذين يحملون حقائب ( السامسونايت ) ويأخذون كومسيوناً عن كل ذرة رمل . . وكل شجرة . . و كل طفل يبيعونه من أطفال هذا الوطن . . يذهب الذين كانوا يوقعون على كتاب التاريخ . ويبقى الذين يحسبون فوائد اشتثماراتهم و أرصدتهم المصرفية . . يذهب الغاضبون . و يبقى الصرافون ، والوسطاء ، والمقاولون السياسيون . وباعة المبادئ المتجولون . . يذهب الرجال إلى الحرب . و يبقى أهل الكهف في فراشهم ، يتثاءبون . و يفركون أصابع أرجلهم ، و يضاجعون نساءهم حسب تسلسل الحروف الأبجدية . . يذهب الذين كانوا يلعبون بنار الكواكب . و يبقى – و لا تؤاخذوني على قلة أدبي – الذين ( يلعبون بخصياتهم ) ! بعدهم سيبقى ترتيب الأشياء كما كان . . ونظام الأفكار كما كان . و قانون السخرة كما كان . . و طعم الكرباج على ظهورنا كما كان . . بعدهم . . لن يجرؤ أحد على أن يرمي إسرائيل بحجر أو بوردة . أو يمسح الكحل عن عينيها . . بانكسار السيف الفلسطيني . . ينكسر الزمن العربي . . فلا يبقى جمعة . . و لا أربعاء . . و لا يبقى صيف . . ولا شتاء . . ولا يبقى موسم قمح . . ولا موسم كبرياء . . بغياب شمس الفلسطينيين . . يدخل العالم العربي في الكسوف الكلي . . و يجف حليب الثورة . . و يموت أولادها . . نزار قباني |
FRENCH |
ENGLISH |