HOME 

Radio Islam - Palestine - Maroc - Morocco - Ahmed Rami - راديو إسلام  - الإذاعة الإسلامية في السويد - أحمد رامي - المفرب - فلسطين

Ahmed Rami


فهمي هويدي:
عبث يُمَارَسُ في حلبة السياسة العربية بعدما تحولت أغلب ممارستها
 إلى أفلام تفتقد المصداقيةَ والجديةَ وبعضها هزليٌّ إلى حد كبير

 أصبحنا غرباء في بلد
اننا
 والسياسية تحولت إلى شأن عائلي
مقبلون على مرحلة عنف لا نعرف
 شكلها وعلى الدولة تحمل المسئولية

الحكم يريد تعديل المواد التى تخدم استمراره فقط

الحكم هو الذى خرج عن حدود اللياقة
 والأدب
منذ ربع قرن وليست الصحافة

ما شرعية واضعى تقرير الممارسة الصحفية وللمهنة شيوخها
اذا كان هناك غلو فى النفاق فمن الحكمة أن يوازيه غلو فى النقد

بعض أجنحة الحكم تحمى الفساد فى الصحافة
الحكم تحدى القضاة بتعيين مرعى وزيرا للعدل

العناد.. سمة الحكم فى سياسته الداخلية
التعديل الأخير أثبت تعدد الرؤوس داخل الحكم


لماذا عدلوا عن القرار الصادر بمساءلة أحمد عز؟

السياسة الآن هى حماية أمن النظام لا المجتمع

المادة77 باقية فالحكم لن يسلم السلطة لأمثالنا ببساطة

 


-  سؤالى الأول فى حوارى مع الكاتب الكبير فهمى هويدى هو:

 
هل خرجت بعض الصحف في مصر عن حدود الأدب واللياقة كما يرى البعض فى الحكم؟
 

-- رد فهمى هويدى بسرعة قائلا:

 
بل الحكم هو الذى خرج عن حدود اللياقة والأدب منذ ربع قرن

 

- قلت له:

 كيف؟
 

-- أجاب قائلا:

احتقار مهنة الصحافة لايحتاج الى دليل وتحويل التليفزيون الى زفة مصورة لممارسة النفاق لايحتاج أيضا الى دليل ثم ماذا نسمى عمليات القمع وانتهاك الأعراض وجرجرة الناس فى الشوارع بمن فيهم القضاة؟ هل هذا مفهوم الحكم عن اللياقة والأدب؟ وماذا نسمى ظاهرة الاعتقالات والسجون ممتلئة بأكثر من عشرة آلاف معتقل وصدرت للبعض منهم أحكام بالإفراج 12 و14مرة؟
فهل هذا التزام بحدود الأدب.. وماذا عن القسوة المفرطة التى تتعامل بها الدولة مع المجتمع والتى تجعل الحليم منا حيران وتخرج الناس عن أطوارهم والصحفيين منهم بصفتهم جزءا من المجتمع

 

- ولكن بعضهم يرى بزيادة حدة النقد للحكم؟
 

-- ربما كان من مصلحة النظام أن يسمح للصحفيين برفع وتيرة الغضب على الورق بدلا من ترجمة هذا الغضب الى فعل فى الشارع.
 

- لكن أصدر المجلس الاعلى للصحافة تقريره الدورى عن الممارسة الصحفية وفيه مآخذ كثيرة على الصحف؟

-- فى داخل كل مهنة توجد شرعية لممارسيها أى لأهل المهنة.. وسؤالى هو: ماهى شرعية واضعى تقرير الممارسة الصحفية خاصة أن للمهنة شيوخا من كتاب ونقباء سابقين.
 

- هل لديكم تحفظ على طريقة تناول دائرة الحكم فى الصحف المستقلة؟

-- هناك مدارس فى الصحافة ولاأرى تجاوزا يمكن أن يخضع للقانون لكن هناك درجات من الافراط فى التعبير عن الغضب والنقد علما بأن المياه الراكدة لاتحركها سوى الأحجار الثقيلة أما الحصى الصغير فلا يحرك شيئا ولدينا من الركود مايحتاج الى أضعاف هذه الأحجار حتى تتحرك المياه الراكدة ثم اذا كان هناك غلوا فى النفاق فربما كان من الحكمة أن يوازيه غلو أيضا فى النقد.

 


- رغم حديث المستندات فان قضايا الفساد فى المؤسسات الصحفية لم تحال الى النيابة؟
 

-- هناك جيل كامل تم تدميره فى الصحافة ووقع فى هواية الاشتغال بالبيزنس وأصبحت الصحافة سبيلا الى الاثراء الذى تمارسه بعض الوزارات فى شراء بعض الصحفيين وليست وسيلة التعبير عن ضمير المجتمع.
 

- لكن ملفات الفساد لاتزال فى الادراج؟
 

-- لن تحال هذه الملفات الى النيابة لأن الصحافة القومية هى باستمرار جزء من السياسة وفتح ملفات فساد الصحافة من شأنه أن يفتح ملفات فساد السياسة ولن يحاسب أحد حتى لو تمت الاحالة الى النيابة والممارسات التى تتم فى بعض الملفات ليست بمنأى عن يد الحكومة وهناك تدخلات تمت لتأجيل بعض الملفات واغلاق البعض الآخر كما أن النخبة الموجودة على سطح الحياة السياسية فى مصر لها ملفات وهذه النخب فى أمان طالما هى محل رضا واذا رفع الرضا فتحت الملفات.

 

- من فى الحكم يحمى ملفات الفساد الصحفى؟
 

-- بعض الأجنحة فى الحكم وهذا يكفى.

 

- يذكر الرئيس دوما أنه ضد الفساد ويدعو لمحاربته فكيف تستقيم دعوة الرئيس مع عدم احالة ملفات الفساد الصحفى الى النيابة؟
 

-- نحن نحيى مايقوله الرئيس ونقف وراءه بشدة ولا يبقى الا ترجمة مقولته فى نموذج واحد على أرض الواقع وخصوصا أن روائح الفساد تزكم الأنوف فى كل المجالات.

 

يثور جدل كبيرالآن على الساحة السياسية حول التعديلات الدستورية المقترحة والتى جاءت كأحد بنود البرنامج الانتخابى للرئيس مبارك ولكن الحكم يصر على تعديل مواد بعينها دون تعديل المواد الأساسية التى تريدها النخبة من المثقفين والمهمومين بحال البلد كالمادة 77 والتى تجعل مدة الحكم أبدية ولايرغب الحكم فى تعديلها كما أنه لايرغب أيضا فى فتح النقاش مرة أخرى حول المادة 76 والتى جعلت الترشيح لرئاسة الجمهورية محصورا فى مرشح الحزب الوطنى فقط، وكان هذا المحور الثانى فى حديثى مع الكاتب الكبير فهمى هويدى وكان سؤالى هو:
 

- لماذا لايفكر الحكم فى طرح تغيير مواد أكثر فى الدستور أو مواد بعينها تطالب بها النخب؟
 

-- القضية برمتها تتعلق بضمان الحريات ومن يتوقع لأكثر من ذلك لايعيش بيننا، فنظام الحكم لايريد الا تعديل المواد التى تخدم استمراره وتؤمن فكرة تغيير الطوارئ الى قانون الارهاب وحتى لايطعن فى دستوريته.

 

- ولماذ الاصرار على عدم تعديل المادة 77من الدستور والتى تجعل مدة الحكم أبدية؟
 

-- أرى أنه لن يتم تعديلها.. فكأنك تريد أن يسلم الحكم السلطة ببساطة لأمثالك وأمثالى.

 

- واين المشكلة خاصة أن نظام الحكم تربع لمدة ربع قرن وهذا يكفى وزيادة؟
 

-- أظن أن الحكام عموما يتصرفون وكأنهم مؤبدون وهذا يكرس فى بعض الأقطار عملية التوريث مثلما حدث فى ليبيا منذ عدة أيام.

 

- وما تفسيركم؟
 

-- لقد استباحت الأنظمة حكم الشعوب بعد تدمير خلايا المجتمع وأجهضت عناصر الشفافية فيه وارجع الى ماقاله سيف الاسلام القذافى بعد 36 عاما من ضرب المجتمع الليبى.

 

- وما الحل؟
 

-- علينا الاقتناع بأن هذه بلادنا وليست بلادهم ولابد لكل مواطن شريف أن يأخذ موقفا كما أن المؤسسات الشرعية الموجودة انسلخت عن ضمير المجتمع ولم تعد تعبر عنه وفى مقدمتها الاحزاب السياسية فمن تحرك فى السنتين الاخيرتين هم قوى المجتمع.

 

- مثل من؟
 

-- مثلما تحرك القضاة ورفضوا الامتثال وتحدوا ودفعوا الثمن واستخلصوا بعض النتائج ولايزال لديهم الأمل فى تحقيق بعض مطالبهم والمجتمع لم يمت ولابد للقوى السياسية الحية والشريفة أن تتجمع وتأخذ موقف المعارضة ضد كل مايهدد المصالح العليا.

 

- كيف؟
 

-- لدينا عدة بدائل اما قانونية وسلمية مثلما يجتمع الناس فيتظاهرون ويعتصمون واذا لم يتح ذلك فهذا يفتح الباب للفوضى والعنف والطريق الثالث وهو السلبية والاضراب عن العمل وهذا حاصل الآن ونحن مقبلون على مرحلة من العنف ولانعرف شكله وعلى الدولة تحمل المسئولية ولا أتمنى حدوثه ولكن استمرار القمع هو الاختيار الوحيد الباقى ولو كان النظام يفكر فلابد أن يفتح الهامش لتصريف غضب الناس دون استخدام القمع.


 

- وهل تتوقع بزيادة هذا الهامش؟
 

-- هذا منطق للأسف غائب وأظن أننا مقبلون فى النصف الثانى من هذا العام على مرحلة شديدة من القمع كان لها تجلياتها فى موضوع القضاة كما تجلت أيضا فى القمع الشديد لعناصر الاخوان وفى ضرب حركة كفاية وفى الشهور الست الأخيرة غابت السياسة وظهرت عصا النظام الغليظة فلسان الحكم يقول: أنتم تريدون وأنا صاحب المحل.

 

- وماتفسيركم فى اعلان بعض أهل الحكم أنه لامساس بالمادة 76؟
 

-- وأنا أتساءل:لماذا لم تأخذوا العبرة من تعديل المادة 76فهذا النموذج لوحده كاف للكشف عن حقيقة الدعوة للاصلاح فى المجتمع وقد قلت إن الموضوع ليس كذلك ولن يكون هناك تغيير ولا أدرى لماذا ساد التفاؤل بين البعض منا؟ بينما تعديل المادة 76 جاء أسوأ من سابقاتها وأغلقت الباب فى المستقبل حيث حصرت الترشيح فى جمال مبارك وكان لابد لنا أن نتعلم من نموذج تعديل هذه المادة.

 

- اذن لماذا نفرح بتعديل بعض مواد الدستور.. اذا كانت الدولة لاتلتزم بتطبيق نصوصه؟

-- هذ يؤكد ان العبرة ليست فى تعديل مواد الدستور لكنها فى موقف السلطة من قضية الحريات واحترام المجتمع فيمكن للحكم أن يكتب أجمل النصوص فى الدستور ولكنه لاينفذها فالقضية هى قضية الحريات العامة وحقوق البشر فى مصر وأى كلام عن مواد دستورية تتجاهل هذه المسائل يصبح من قبيل اضاعة الوقت.

- وماذا عن رغبة الحكم فى الغاء اشراف القضاة على الانتخابات؟

-- الحكم قرر اشراف القضاء على الانتخابات لكن عندما فضح بعض القضاة تزوير الانتخابات قرر النظام الغاء الاشراف القضائى على الانتخابات فاذا كان الحكم ينوى التغيير بالفعل ويقبل الشفافية فلن يضيره اشراف القضاء واذا أردنا أخذ الكلام على محمل الجد فهناك كلام آخر يندرج تحت الفعل من اجل الداخل وليس الخارج.

- ماذا تقصد؟

-- هناك نوعان من التغيير أحدهما سياسى والآخر سياحى أما الأول وهو التغيير السياسى فيخوض فى جوهر الأشياء التى تهم المجتمع أما التغيير السياحى فهو الذى يهتم بالخارج.

 
 

كان الجزء الثالث والأخير من حوارى مع الكاتب الكبير فهمى هويدى عن التعديل الوزارى الأخير والذى أثار ردود أفعال حيث توقعنا خروج رئيس الحكومة ولكننا فوجئنا بتدعيم الرئيس له كما لم نفهم الحكمة من انتقال محافظ الاسكندرية الى وزارة التنمية المحلية ولماذا عادت هذه الوزارة رغم الغائها وأصبح التعديل الوزارى فى مصر بمثابة لغز وان شئت فسمه فوازير رمضان التى جاءت مبكرا مثلما قال هويدى.
 

- وكان سؤالى الأول: كيف قرأتم التعديل الوزارى الأخير؟

-- التعديل الوزارى هو جزء من حملة التجهيز للتعديلات الدستورية المقبلة والتى ترتكز على ثلاثة مسئولين فقط.
 

- من هم؟

-- د. فتحى سرور ود. مفيد شهاب والمستشار ممدوح مرعى وزير العدل كما أنه فتح الباب لاحتمالات التوريث.
 

- كيف؟

-- بمكافأة المستشار ممدوح مرعى على إنجازاته فى الانتخابات الرئاسية الأخيرة وإسناد وزارة العدل له.
 

- وماذا يعنى إسناد وزارة العدل لشخصية غير مرحب بها من القضاة؟

-- هو فى أبسط صورة تحد للقضاة فالمستشار مرعى صاحب الدعوى لفصل القضاة المحالين للتأديب.
 

- وما عنوان التعديل الوزارى الأخير؟

-- المعاندة.. حيث نندهش لإصرار الحكم على المعاندة والتى أصبحت العنوان الأهم للسياسة المصرية
 

- قاطعته بقولى: المعاندة فى السياسة الداخلية؟

-- رد ضاحكا: بالطبع وهل يمكننا العناد فى السياسة الخارجية.. ياريت.. ثم أضاف قائلا: أقصد أن المعاندة أصبحت سمة من سمات السياسة الداخلية وهى تدور فى إطار معاندة المجتمعات.
 

- نرجو التوضيح؟

-- ظهر للحكم وجود قضاة لهم رأى مخالف لما ينتويه الحكم فكان لابد من قمعهم وتصدير إحساس لهم بعدم المبالاة بمواقفهم بدليل اختيار شخصية لوزارة العدل لتنفيذ سيناريو قمع القضاة وهى ليست محل ترحيب من القضاة.
 

- تفتكر ماهو السبب فى أن التعديل الوزارى كان محدودا وليس شاملا؟

-- السياسة المصرية كلها ألغاز وليس لها منطق متسق غير أن لها بعض السمات منها:

الاعتماد على السرية والمفاجأة كما أنها تعكس تعدد رؤوس النظام حيث تثبت أن له أكثر من رأس ومن الممكن أن تعبر عن تعدد الأجنحة داخل نظام الحكم.
 

- مثال؟

-- ارجع إلى ما قاله وزير المالية الدكتور بطرس غالى عندما ذكر فى أحد حواراته أن هناك وزارات همبكة مما يؤكد أنه يستند إلى جناح قوى.
 

- أعطنى مثالا اخر لتعدد أجنحة الحكم؟

-- مثلا: فى الصحافة يوجد أشخاص فاسدون وتفاجأ بأنهم أعضاء فى المجلس الأعلى للصحافة.
 

- واشمعنى الصحافة فقط؟

-- كثيرة هى الأمثلة التى تعطى الدلالة على ماقلته فمثلا:صدر قرار سياسى بإبعاد أحمد عز ومساءلته وتم إبلاغ رئيس الوزراء بالقرار ولكن بعد ذلك تم العدول عنه.
 

- فى التعديلات الأخيرة أثارنى قرار نقل محافظ الاسكندرية الى وزارة التنمية المحلية ثم نقل محافظ البحيرة الى الاسكندرية ولم يمض عليه شهور فى البحيرة ولم أدر ما الحكمة فى هذا التغيير؟
 

-- المؤكد مما تعرضه هو أن فوازير رمضان بدأت بدرى.
 

- كيف؟

-- عندما تضع فى الاعتبار اللغز والسرية فى القرار السياسى وهنا يدور سؤال حول أسلوب الشفافية فنحن نتعامل مع نظام لايثق فى شعبه أو نخبته ولايوجد مايمنع أن نراه يتلذذ فى مفاجأته.
 

- عندك تفسير لنقل المحجوب رغم نجاحه فى الاسكندرية؟

-- ترى أحد التفسيرات أن نجم عبد السلام المحجوب لمع أكثر مما يجب ولابد من اطفائه ولكن المتابع لما يجرى سيجد عدة قراءات للقرار السياسى الواحد.
 

- كيف؟

-- لم تعد التفاصيل مهمة فى السياسة المصرية الآن حيث أدرك الناس أن المشاكل تتجاوز التفاصيل ولم أعد أعول كثيرا على التغييرات الوزارية الا أنها تصب فى خانة نميمة النخبة والصحافة.
 

- لماذا؟

-- لأن الحكم يتعامل معنا باعتبارنا غرباء وأن السياسة شأن عائلى خاص وبالتالى نحن متفرجون مثلما نرى برامج السينما فنحن فى كل الأحوال كومبارس أو مشاهدون.
 

- ولماذا سياسة تبديل الأماكن الوزارية بدلا من التغيير مرة واحدة؟

-- بعض الكلمات جرى ابتذالها مثل كلمات الاصلاح والتغيير ومن المفترض أن هذه الكلمات لها ايقاع فى الضمير لكن جرى ابتذالها.
 

- كيف؟

-- كشعارات الشفافية وحتى حرية الصحافة كان لها نصيب وأظن أن الحكم يختار من يعرفهم وخبراتنا السابقة مع الرئيس تؤكد أنه ضد التغيير.
 

- ما الدليل؟

-- بدليل أننا لانزال نلعب بنفس الكوتشينة دون تغيير ومايقال عن التغيير فقد مصداقيته ولم يعد يقنع أحدا بالجدية فى مراقبته.
 

- وجهة نظر الرئيس أن اختيار الوزراء مسألة صعبة جدا؟

-- نحن لا نعرف كيفية اختيار الوزراء ولا نفهم لماذا جاء هؤلاء الوزراء ولماذا خرجوا مع تكريس فكرة أن الذى اختار فرد وليس مؤسسة وهذا الاختيار يتم فى الظلام وداخل جماعات محددة كأمانة السياسات التى ترشح والرئيس يرشح أيضا.

بينما فى الديمقراطيات لاتوجد مشكلة فى اختيار الوزراء لوجود الخبرات والخلفيات كما أن هناك بدائل.
 

- كيف؟

-- عندنا نجد الحكم يريد تغيير أشخاص لا سياسات.. فكيف يسوقون لنا وهم التغيير دون الاقتراب من حقيقة التغيير وهذا مايجعل المسألة تزداد صعوبة ولو كان الحكم يتعامل بشفافية ماكانت هناك مشكلة لكن الحبكة تحتاج الى مجهود فالتعامل التلقائى سهل.
 

- اذا كانت وزارة التنمية المحلية مهمة بدليل اعادتها فلماذا ألغوها أصلا؟

-- لايوجد شيء مهم.
 

- اذن ما هو المهم؟

-- المهم فقط هو قرار الرئيس فاخراج الفيلم يحتاج مجهودا ولايمكن للحكم القول بأن التغيير سببه ضعف الوزارة ولكن لابد من سيناريو للفيلم والأفعال تتناقض مع الأقوال.
 

- كيف؟

-- يتكلم الحكم عن الاصلاحات الدستورية بينما كل يوم يلقون القبض على الناس واعتقالهم فالحكم لم يتغير طيلة ربع قرن فالكلام عن التغيير انشائى.
 

- صرخ الناس من أداء حكومة نظيف بينما رأى الرئيس مبارك أنها تعمل على أكمل وجه.. من أين جاء هذا التباين؟

-- هذا يعنى أن أحد الرأيين خطأ ونحن لم نتعود القول بخطأ الرئيس.
 

- كيف ترى الرأيين؟

-- ما قاله الرئيس يبين مدى العزلة والفجوة بين رئاسة النظام والمجتمع وللأسف فان النخبة السياسية الحاكمة الآن تعيش على الشاطئ الآخر وليس مع الناس.
 

- كيف؟

-- انظر الى مجموعة رجال الأعمال التى دخلت الوزارة.
 

- ما الذى وجدته؟

-- فوزير النقل الحالى لم يركب أوتوبيسا فى حياته ويمكن شافه فى الصور فالحكم جاء بغرباء ليسوا من المجتمع فالمسافة شاسعة تلك التى تفصل السلطة عن المجتمع منها قول الرئيس عن حكومة نظيف.
 

- والسمة الاساسية لهؤلاء الوزراء عدم تعاطيهم السياسة فى قراراتهم؟

-- السياسة ياسيدى هى حماية أمن النظام وليس أمن المجتمع بدليل أن عدد العاملين بوزارة الداخلية يصل الى مليون وربع المليون فرد وهم جملة رجال الداخلية وهو بالمصادفة يعادل رقم ركاب القطارات يوميا... لكن تعال وانظر الى مخصصات الفئة الأولى والاهمال للفئة الثانية مما يؤكد أن أمن النظام مقدم على أمن المجتمع.
 

- سؤالى الأخير عن الشأن الايرانى ويتعلق بزيارة المسئولين الايرانيين للقاهرة مؤخرا وهل هى مؤشر لعودة العلاقات بين البلدين؟

-- لا هذا ولاذاك فالاحداث أثبتت أن ايران لاعب مهم فى المنطقة بحيث لم يعد ممكنا حل مشكلات فى لبنان دون ايران وكذلك العراق وافغانستان ومصر مضطرة الى التعامل مع ايران رغما عنها وهذا ما أكدته احداث لبنان فلاتتفاءل بشيء فى الوقت الراهن وأرجو ان تكون قراءتى خاطئة.

محمد على خير


الإسلام والغرب:
 دعوة للتفكير بطريقة أخرى..؟

فهمي هويدي

اصبح الاشتباك مع الإسلام وتجريح تعاليمه ورموزه صرعة الموسم في أوروبا، هذه حقيقة لا مفر من الاعتراف بها ولا تحسب لها، حتى لم يعد يمر أسبوع أو اثنان إلا وتتناقل وسائل الإعلام واقعة جديدة في مسلسل الاشتباك، الذي ظننا في البداية ـ وفهمنا ـ انه محصور في الولايات المتحدة، بسبب أحداث سبتمبر الشهيرة. وكنا وجدنا أن الموجة امتدت إلى أوروبا، واتسع نطاقها بعد التفجيرات، التي شهدتها مدريد وبعدها تفجيرات لندن، الأمر الذي غذى ظاهرة الاشتباك والتجريح، التي طالت مظاهر المسلمين وعقائدهم ومساجدهم، فمن منع للحجاب في المدارس الفرنسية إلى تحريض ضد النقاب في إنجلترا، إلى طعن في نبي الإسلام وسخرية منه في الدانمارك، إلى اتهام لعقيدة المسلمين، وتشهير بها من جانب بابا الفاتيكان، إلى غمز في التعاليم واتهام للملة في ألمانيا.. الخ، الأمر الذي غير من صورة أوروبا في إدراك العالمين العربي والإسلامي، إذ كان الاعتقاد حتى وقت قريب، أن أوروبا غير الولايات المتحدة، فهي أقرب إلى العالم العربي من الناحية الجغرافية، وبالتالي فهي أكثر فهما له وتعاطفا مع شعوبه. ثم أن سيطرة المنظمات والجماعات الصهيونية على وسائل الإعلام ومراكز البحوث في الولايات المتحدة أقوى بكثير منها في أوروبا. وفضلا عن ذلك فإن أوروبا يعيش فيها حوالي 20 مليون مسلم، في حين أن مسلمي الولايات المتحدة يتراوح عددهم بحدود 7.5 مليون، وذلك يعني أن فرص تواصل المسلمين مع أوروبا افضل منها مع الولايات المتحدة، لكن تبين بمرور الوقت أن القرعة انتقلت من الولايات المتحدة إلى أوروبا، حتى أصابت بلدا مثل إنجلترا اشتهر بقدرته على احترام التعددية الثقافية.

ولكن هذه القدرة تراجعت خلال السنوات الأخيرة، على نحو أشاع حالة من التوتر بين المجتمع والجالية الإسلامية، التي بدأ بعض أفرادها يعانون بسبب هويتهم الدينية. وعرفت إنجلترا لأول مرة حوادث من قبيل نزع حجاب بعض السيدات في الشوارع ومنع بعض المدرسات من الاستمرار في وظائفهن بسبب الحجاب أو النقاب، والاعتداء على منشآت يملكها مسلمون (معمل لإنتاج الألبان في مدينة ويندسور جنوب شرق البلاد)... الخ. ودخل السياسيون على الخط ، خصوصا بعدما دعا جاك سترو، وزير الخارجية السابق، السيدات المسلمات إلى التخلي عن النقاب، ومن ثم أصبحت الورقة الإسلامية محل لغط مشهور في الأوساط السياسية والإعلامية، وحلت بذلك محل «الورقة العرقية»، التي كانت تستأثر بالمناقشة واللغط في السابق. لم يخل الأمر من محاولات للافتعال والدس، استهدفت رفع وتيرة التوتر وتعميق أزمة الثقة، وإثارة الحساسية ضد المسلمين، فلم تثبت صحة المعلومات التي جرى الترويج لها قبل أسابيع قليلة عن «مؤامرة» دبرها بعض المسلمين في بريطانيا لتفجير بعض الطائرات في الجو، حتى اصبح مرجحا أنها من قبيل الفرقعات الإعلامية، التي أطلقت لتحقيق أهداف معينة في حينها، كما لم تثبت صحة المعلومات التي نشرتها إحدى الصحف التشيكية، من أن متطرفين إسلاميين عربا خططوا لخطف عشرات اليهود في العاصمة براغ، واحتجازهم رهائن قبل قتلهم. وغير ذلك من الأخبار التي باتت تسرب في مختلف العواصم الغربية، منوهة بخطر الوجود الإسلامي في أوروبا ومعمقة للفجوة بين الإسلام والغرب، ومن ثم قاطعة الطريق على مساعي التواصل أو التعايش بين العالم الإسلامي والدول الغربية.

ولا مفر من الاعتراف بأن هذه الحملة حققت قدرا من النجاح على أصعدة ثلاثة على الأقل، فقد حدث الشرخ في علاقة الطرفين وأصبحت الفجوة مرشحة للاتساع حينا بعد حين، وأصبح التوتر بين الجاليات الإسلامية في أوروبا ـ وأمريكا بطبيعة الحال حقيقة واقعية مستمرة ومتزايدة، وإذا استمرت الحالة على ذلك النحو فأخشى ما أخشاه أمرين، أولهما أن تتحول الفجوة إلى خصومة وقطيعة تصبح الجاليات الإسلامية المقيمة في الغرب أول ضحاياها، وثانيهما أن ينشغل العالم العربي والإسلامي بهذه المعركة المفتعلة، بحيث يتصور الناس فيه أن تناقضهم مع الغرب هو القضية، الأمر الذي يصرفهم عن التناقض الأخطر والأكثر إلحاحا المتمثل في المشروع الصهيوني بتطلعاته التوسعية والاستيطانية. وإذا كان علينا أن نعترف بالنجاح النسبي لحملة الوقيعة بين الإسلام والغرب، فان الإنصاف يقتضي منا أن نعترف بأن ممارسات بعض المسلمين ـ أخطاء كانت أم جرائم ـ أسهمت في تغذية هذه الحملة، صحيح أن التشهير بالإسلام والمسلمين في الولايات المتحدة وفي بعض الأوساط الأوروبية سابق لأحداث نيويورك ومدريد ولندن. إلا أن الجرائم التي ارتكبها بعض المسلمين في تلك البلدان وفرت غطاء مناسبا لاستمرار الحملة، وذرائع قوية للتوسع فيها. يفرض علينا الإنصاف أيضا أن نقرر بأنه إلى جانب الجهود التي بذلها في الغرب الكارهون والمتعصبون والمتآمرون والجاهلون للوقيعة ولتعميق الفجوة بين الإسلام والغرب، فلم يخل الأمر من عقلاء وأصدقاء حاولوا وضع الأمور في نصابها الصحيح، ولم يترددوا في صد رياح العداء والوقيعة، لكن المشكلة أن الأولين هم اعلى صوتا واكثر جذبا للأضواء، فقد سمعنا كثيرا عن محاضرة بابا الفاتيكان في ألمانيا، التي أهان فيها الإسلام وشوه صورته، لكننا لم نرصد بشكل جيد عشرات الردود في الصحافة الأوروبية، التي انتقدت موقفه وردت على ادعاءاته، وكذلك مقالة مدرس الفلسفة الفرنسي، الذي هاجم الإسلام في صحيفة «الفيغارو» واتهمه بالدعوة إلى العنف، لكننا أيضا لم نتابع سيل الردود التي نشرها بعض المثقفين الفرنسيين، تفنيدا لمقولاته وردا لادعاءاته.

ورغم أنني اذكر في كل مناسبة ـ وأحيانا بغير مناسبة ـ أن الغرب ليس كل العالم، كما أن مشروعه ليس نهاية التاريخ، وان هناك شرقا يجب التواصل معه (روسيا والصين واليابان والهند مثلا)، كما أن هناك آفاقا قريبة منا ومرحبة بنا في أفريقيا وأمريكا اللاتينية، أقول رغم ذلك، فإنني ازعم أننا ينبغي أن نسعى جاهدين لان نحتفظ بعلاقات قوية ومتوازنة مع الغرب.

وأضع خطا تحت كلمة «متوازنة»، التي قصدت بها ألا نضع كل البيض في سلة الغرب، وإذ ندرك جيدا التمايزات بين دول الغرب ومجتمعاته، وان نقرأ جيدا الخرائط السياسية والثقافية لكل مجتمع، على الأقل لكي نتعرف على الأصدقاء والخصوم والعقلاء، الذين يمكن التحسب لهم.

ما الذي يتعين علينا أن نفعله لكي نواجه هذه الحملة؟

كلما ألقي على هذا السؤال كنت اذكر دائما بأن علاقة اليهود بأوروبا من الناحية التاريخية اتسمت بالخصومة والمرارة والكراهية، ذلك أن الاضطهاد الذي عانى منه اليهود في أوروبا يشكل بعضا من اشد صفحات تاريخهم قتامة وتعاسة.

أشار الكاتب الإسرائيلي المعروف يوري افنيري إلى هذه الخلفية في مقاله أخيرة له، رد فيها على بابا روما، الذي ربط في محاضرته بين الإسلام والعنف، منوها بانه حيث كان اليهود يضطهدون ويسحقون بواسطة الكاثوليك في أوروبا فإنهم كانوا يلوذون بالدولة العثمانية يلتمسون فيها الآمان والسكينة. ورغم تلك الخلفية البائسة فقد نجح اليهود في تجاوز مرارات الماضي وإقناع الغربيين بأن دولة إسرائيل حليفة لهم وتشكل امتدادا لحضارتهم في المنطقة العربية، حتى لم تعد ثقافة الغرب توصف في أدبياتهم بأنها مسيحية، كما كانت في السابق، وإنما اصبح يشار إليها الان بحسبانها يهودية ومسيحية (جودير كريستيان). كنت أروي هذه القصة لأدلل على انه في السياسة ليست هناك خصومات أبدية وان المرارات يمكن تجاوزها، إذا كانت هناك رؤية استراتيجية واعية مدركة للمصالح والمقاصد العليا، ولان للعالم العربي مصلحة أكيدة في كسب الغرب ومد الجسور معه، فينبغي أن يظل شديد الحرص على ألا تصل الأمور معه إلى حد الخصومة والقطيعة، وبالتالي فينبغي أن تخضع حملة الوقيعة والتجريح الراهنة إلى دراسة معمقة تجيب عن أسئلة من قبيل ما هي الأسباب التي أدت إلى إطلاق الحملة التي تجاوزت إهانة المسلمين إلى إهانة عقائدهم؟ وما قيمة المنابر أو المواقع التي تسهم في تلك الحملة؟

وكيف يمكن تقليص الفجوة والحفاظ على جسور التواصل مع الآخرين؟ وما هي الأطراف في الغرب التي يتعين التفاهم معها استثمارا لرصيدها من الاعتدال والإنصاف؟ وما هي الثغرات التي تستفيد منها الحملة لتعميق الفجوة وإذكاء الخصومة؟

في الوقت ذاته ينبغي أن نكون واعين بحقيقة انك لكي تكون محترما ومقدرا من جانب الآخرين، فينبغي أن نقدم نموذجا جديرا للاحترام وهو ما يعني أننا يجب أن نتطلع إلى وجوهنا جيدا في مرآتنا، بحيث نتحرى عيوبنا وتشوهاتنا، ونحاول إصلاحها قبل أن نطالب الآخرين بان يروا وجه الحسن فينا. ليس عندي حل جاهز للمشكلة لكنني أدعو إلى تفكير رصين فيه يدرك النقائض والثغرات ويحتكم إلى المصالح العليا ويتجنب الاستسلام للانفعال وردود الأفعال، وفي الوقت ذاته يحاول فهم الآخرين وأعداءهم، فليس من الرصانة مثلا أن يثور العالم الإسلامي ويغضب كلما لوح فرد أو جماعة في الغرب بإساءة إلى الدين وأهله، قبل أن يقدر وزن ذلك الفرد أو الجماعة، فما أقدم عليه بابا روما ينبغي ألا يوضع على قدم المساواة مع عبث بعض الشبان في الدانمارك، وليس من الرصانة أيضا أن يثور المسلمون لان وزير خارجية بريطانيا السابق جاك سترو انتقد النقاب ودافع عن حق المسلمات في ارتداء الحجاب، في حين أن قلة من علماء المسلمين يدافعون عن النقاب (بعض الجامعات المصرية تمنعه)، هذا في الوقت الذي يمنع فيه الحجاب في بلد مسلم مثل تركيا، ويتعرض لتنديد وهجوم شديدين في بلد عربي مسلم مثل تونس.

ليس عندي اعتراض على ما يعبر به المسلمون من غضب غيرة على دينهم أو دفاعا عن كرامتهم، لكن أتمنى أن يوضع الغضب في موضعه الصحيح، وذلك عين العقل والحكمة.

 


سباحة مؤقتة ضد التيار

بقلم: فهمـي هـويـــدي       

ما رأيكم دام فضلكم في وقفة لالتقاط الانفاس نحاول فيها اختبار قدرتنا علي احتمال الرأي الآخر في مسألة علاقة السلطة بتيار الاسلام السياسي بما يدفعنا إلي تفكير آخر ينطلق من الحرص علي احلال السلام والوئام محل الفتنة والضغينة والخصام

(1) أدري أن هذه دعوة للسباحة ضد التيار فنحن في زمن اذكاء نار الغضب واستعراض فنون التحريض والتشهير والهجاء. حتي يبدو أن المطلوب هو تأجيج الحرائق وليس اطفاؤها واثارة المخاوف وليس تهدئة الخواطــر. ولأننا صرنا بصدد معركة اعتبـرها البعض فاصـلة وحاسمــة ولأنه لا ينبغي أن يعلو صوت فوق صوت المعركة فإن هذا الذي ادعو إليه يغدو انفصالا عن الركب وتغريدا خارج السرب. وفي أحسن فروضه فإنه يعد من قبيل الأذان في مالطة!

ليت الأمر يقف عند هذا الحد لأن عاقبة الأذان في مالطة تظل محتملة في أسوأ حالاتها إذ لن تتجاوز حدود انصراف السامعين واستغرابهم للضجيج الذي يحدثه المؤذن. ولكن العواقب مختلفة في الحالة التي نحن بصددها بوجه أخص. لأن' المؤذن' إذا ما رفع صوته بمثل الدعوة التي أشرت اليها فأنه سيكون كمن وضع إصبعه في عش الزنابير. وسيصبح ضحية للسعات كل الزنابير التي سوف يستثيرها ذلك' العدوان'. أعني أنه سيصبح هدفا لسيل الاتهامات التي لن تحفظ له حرمة ولن ترعي فيه إلا ولا ذمة باعتبار أن الكلام عن تهدئة الخواطر في خضم معركة من ذلك القبيل انتظرها البعض طويلا وتنافس كثيرون في الاحتشاد والاستنفار والتعبئة لأجلها واعتاش آخرون من تسويقها علي مر الأزمنة في مختلف دوائر القرار. مثل هذه الدعوة سوف تعد في نظرهم جريمة لا تغتفر.

في إعلامنا الآن' مكارثية' جديدة علي حد قول زميلنا خيري رمضان ـ تصم كل من يختلف في الرأي أما بأنه' أخواني' أو أمن. والهدف من ذلك هو أثاره حالة من الفزع تكمم الأفواه ولا تجعلنا نسمع إلا صوتا واحدا. هذه العبارة ليست من عندي ولكنها وردت في تعليق كتبه زميلنا الاستاذ خيري رمضان_ وهو أحد الناقدين للإخوان_ في صحيفة' مصر اليوم'_( عدد16/1) وقد خلص إليها بعد أن روي القصة التالية: ذات يوم نشرت إحدي الصحف تصريحات مثيرة وصادمة لنائب مرشد الأخوان الدكتور محمد حبيب حول الأقباط واستنساخ التجربة الإيرانية في مصر.

لكنه نفي تلك التصريحات في برنامج تليفزيوني. وفي يوم تال استضاف التليفزيون المصري رئيس تحرير الصحيفة المذكورة ومحرره ادعت أن الكلام الذي تم نفيه مسجل علي شريط لديها. وحين تمت إذاعة بعض مقاطع م التسجيل_ والكلام لخيري رمضان_ كانت المفاجأة أن الرجل لم يقل الكلام الذي نسب إليه وبدا حريصا جدا في تصريحاته. المفاجأة الأكبر_ أضاف زميلنا_ أن الجميع تجاهلوا ما جاء علي لسان الرجل. وتعاملوا مع ما نشر علي أنه الحقيقة الكاملة. أما الأغرب فأن المشاركين في البرنامج لم يتوقفوا و استمروا في الهجوم علي آراء الدكتور حبيب التي لم يقلها!

(2) لا أعرف كيف يمكن للمرء وسط حملة التعبئة المضادة أن يقنع المتلقي بأنه لا يدافع عن الإخوان علي وجه التخصيص وإنما يدافع عن استقرار الوطن وسلامه الاجتماعي من خلال الدفاع عن حق تيار أصيل فيه لممارسة حريته في التعبير والمشاركة في إطار القانون وحمايته. وهو دفاع موصول في جوهره بقضية إطلاق الحريات العامة في المجتمع التي تهدد بتقليصها التعديلات المقترحة للدستور علي النحو الذي أفاض فيه بعض الكتاب الشرفاء.

قبل نحو عشرين شهرا_ في24/5/2005_ نشرت مقالة في هذا المكان تحت عنوان' التدرج هو الحل' قلت فيها ما نصه: أن ثمة شواهد عدة توحي بأنه تم تجاوز السؤال' هل' يستوعب التيار( الاسلامي ضمن الخريطة السياسية) أم لا واستبدل باسئلة مغايرة في اتجاه آخر من قبيل كيف ومن ومتي. ذلك أن تجربة نصف قرن في مصر دلت علي أن ثمة حقيقة يتعذر تجاهلها وهو أن ذلك التيار موجود علي خريطــة الواقع وأن التعامل معــه في اطــار الشرعية اقل كلفة بكثير من المغامرة بابقائه خارجها.

حين قلت هذا الكلام لم أكن متفائلا بالمستقبل وحسن الظن به فحسب ولكني كنت مدركا أن مثل ذلك الاحتواء ممكن في ظل الدستور استنادا إلي ما قرره فقهاء القانون وما قضت به هيئة مفوضي مجلس الدولة في تقرير شهير لها أعد في عام91. وهذا التقرير له قصة خلاصتها أن أحد الدعاة( السيد يوسف البدري) تقدم لتأسيس حزب باسم' الصحوة' ولكن لجنة الأحزاب رفضت طلبه. فطعن في القرار أمام مجلس الدولة عام89. وحين عرض الموضوع علي هيئة المفوضين التي كان يرأسها وقتذاك نائب رئيس المجلس المستشار طارق البشري فانها خلصت من بحثه إلي ما يلي:

أن الباب الأول من الدستور المصري أورد مجموعة من المواد التقريرية والتوجيهية في مقدمتها النص علي أن الاسلام دين الدولة وأن مبادئ الشريعة الاسلامية تمثل المصدر الرئيسي للتشريع. وثمة نصوص اخري تعلقت بطبيعة نظام الدولة وأشارت إلي ممارسة الشعب لسيادته وحمايته وصونه للوحدة الوطنية..إلخ.

في الفقه القانوني فإن الأحكام التقريرية والتوجيهية للدستور. لا يراد بها فقط تثبيت الملامح القائمة ولكنها ايضا ترسم سياقا وحركة لمستقبل نشاط مؤسسات الدولة والمجتمع بأسرها. كما أنها تجدد المقاصد العامة لأصول الشرعية التي تقوم عليها الدولة والمجتمع.

لما كان من المسلم به أن المشرع متنزه عن التناقض والعبث في صياغته لمواد الدستور فينبغي أن نسلم بناء علي ذلك بأنه عندما يورد واجبين فإن الضدية مرفوعة بينهما. بمعني أن الدستور حين أورد في صميم أحكامه التوجيهية أن الاسلام دين الدولة وأن الشريعة المصدر الرئيسي للتشريع و أورد كذلك أن الوحدة الوطنية أمر يتعين تأكيده وصيانته وابعاد ما يهدده فذلك مما له مغزاه بالغ الأهمية. إذ أنه يقودنا إلي القول بأنه لا منافاة ولا تعارض بين الإسلام والشريعة الاسلامية من جانب وبين الوحدة الوطنية( أو حق المواطنة) من جانب آخر.

إن الدستور حين يقر في صدر احكامه بإسلامية الدولة ويقر بالشريعة الإسلامية كأصل للشرعية ـ كما ذكر في تقرير المفوضين ـ فلا يصح في الافهام القول بأن الدستور ينظم وضعا طائفيا لأن الدستور هو أول تعبير تشريعي عن الأصول المرجعية للمجتمع. واذا كانت الاسلامية لا تعبر في الدستــور عن وضع طائفي فإن ما ورد في قانون الأحزاب من حظــر قيام الحزب علي اساس طائفي( أو غيره). لا يشكل حظرا متعلقا بالدعوة الإسلامية المجتمع أو الدولة المنصوص عليه والمقرر بالدستور ذلك أنه لا يصح باي معيار أن يمنع قانــون الأحزاب ما أوصت به وارشدت أحكام الدستور.

أن قانون الأحزاب الذي حظر قيامها علي اسس طائفية أو طبقية نص ايضا( في مادته الرابعة) علي ألا تعارض مبادئ الحزب واهدافه مبادئ الشريعة الاسلامية التي هي المصدر الرئيسي للتشريع. و لا يصح في العقول أن يحظر القانون الأمر ونقيضه. فيحظر التعارض مع الشريعة الإسلامية ويحظر الدعوة إلي نظم يستخلص منها أو يحظر الدعوة إلي تطبيقها.

(3) هذه القراءة القانونية تزيل التباسا شائعا لدي كثيرين يتعلق بموقف الدستور والقانون من شرعية استيعاب تيار الاسلام السياسي ضمن الخرائط الراهنة. ليس ذلك فحسب وإنما تكشف تلك القراءة عن مدي غرابة أحد التعديلات المقترحة للدستور ذلك الذي يدعو إلي اضافة فقرة في مادته الخامسة تقرر حظر أي نشاط سياسي أو حزبي او قيام الاحزاب علي أساس الدين أو الجنس أو الاصل. الامر الذي يعني مصادرة أي نشاط سياسي أو حزبي يدعم المقومات والمبادئ الاساسية للمجتمع المصري المنصوص عليها في الدستور. بدءا من مادته الثانية التي تنص علي أن الاسلام دين الدولة ومبادئ الشريعة المصدر الاساسي للتشريع وانتهاء بالمادة التي تنص علي المساواة بين الرجل والمرأة دون اخلال باحكام الشريعة الاسلامية والمادة19 التي تنص علي أن التربية الدينية مادة اساسية في مناهج التعليم العام. بل ان احد النشطاء سألني بعد قراءة الاضافة المقترحة عما اذا كانت تحظر استخدام النصوص القرآنية في التعبئة لمقاومة اسرائيل أو التصدي للاحتلال باعتبار ذلك' نشاطا سياسيا' علي اساس من الدين.

أننا اذا اخذنا الأمور علي محمل الجد وفحصنا خلفيات الحظر بنزاهة وموضوعية فسنجد أن خلفيات الحظر المفروض وثيقة الصلة بالحسابات والملاءمات السياسية ولا سند قوي لها من الاعتبارات الدستورية والقانونية.

وإذا جاز لنا أن نسمي الأمور بمسمياتها الحقيقية فلا مفر من الاعتراف بأن ثمة تراكما استمر عدة عقود أفرز حالة من التخوف وأزمة الثقة بين السلطة وتيار الإسلام السياسي. ومن جراء هذه الأزمة ظل المجتمع المصري يعاني من التوتر وعدم الاستقرار طيلة نصف القرن الأخير علي الأقل. وليس هناك عاقل مخلص لهذا البلد يؤيد استمرار هذه الحرب وتأبيدها الأمر الذي يفر ضرورة البحث عن مخرج من هذه الأزمة التي تبين أن نهج السحق والاستئصال لا يجدي فيها و إنما يوسع من دائرة التعاطف مع التيار الاسلامي.

هذه الثقة المنشودة لا بد لها من ارادة اولا ثم سعي من الجانبين ثانيا يبادر اليه تيار الاسلام السياسي باثبات حسن النية وسلامة القصد. في هذا الصدد فأن استمرار محاكمة ذلك التيار بسبب اخطاء وقعت قبل60 أو50 عاما تم تجاوزها بعد ذلك تظل من قبيل التنطع الذي يضمر سوء النية ويسعي الي تعميق الأزمة وليس الي تجاوزها. واستحي أن اقول أن تطبيع العلاقات مع اسرائيل لا ينبغي له باي حال أن يكون ايسر من تطبيع العلاقات فيما بين السلطة والتيار الاسلامي.

(4) بقيت عندي كلمتان اختم بهمــا الأولي أنني غير مصدق أن بلدا بحجم مصر وثقلها وبقوة سلطة الدولة فيها تستبد به المخاوف في التعامل مع ذلك الملف في حين تجاوزت العقدة دول اخري كثيرة حولنا احتوت التيار الاسلامي ولم تر فيه' الفزاعة' التي يصر البعض علي تخويف الناس بها. وهو ما نجحت فيه دول مثل المغرب والجزائر وموريتانيا والكويت واليمن والأردن ولبنان إلي جانب تركيا وباكستان وماليزيا وإندونيسيا. وهو ما يدعو إلي التساؤل ماذا عندهم اكثر منا وافضل بحيث نجحوا فيما فشلنا فيه

الكلمة الثانية تتعلق بسيل الدراسات والحوارات التي تجريها الدوائر البحثية الغربية حول الموضوع واحدثها ندوة دعا اليها معهد واشنطون قبل شهرين( في نوفمبر الماضي) وكان عنوانها' الوسائل البديلة لمواجهة الاسلاميين عبر صناديق الاقتراع'. بلا استثناء فإن هذه الدراسات لم تعبر عن اي سعادة بوجود ظاهرة الاسلام السياسي ناهيك عن تنامي حضوره لكنها انطلقت من استحالة استئصاله والقضاء عليه ودعت جميعها الي احتوائه ومحاولة اضعافه بوسائل شتي منها تقوية منافسيه واستمالة عناصره الجديدة. ولم يكن لدي تفسير لهذا الموقف سوي أن هؤلاء يحاولون استخدام عقولهم دون هراواتهم ويجعلون السياسة حاكمة للأمن وليس العكس.

 


فزاعة كل عام

بقلم: فهمي هويدي

كلما عثرت بغلة امتطاها رجل ملتح في أي بلد كان، هلل نفر من المحللين صائحين: انتكس المشروع الاصولي وفقد قوة الدفع. وليس في هذا الكلام أية مبالغة، لأننا شهدنا في العقدين الاخيرين نماذج لأولئك المحللين الذين ظل شاغلهم الوحيد هو تصيد الشواهد والحيثيات التي تؤكد على فشل وسوء عاقبة المشروع الأصولي، حتى في الساحات التي لا يوجد بها مثل هذا المشروع. لا تسألني عن دوافعهم الى ذلك، فمنهم هواة، يحللون الظواهر تبعا لأهوائهم وأمنياتهم، وليس انطلاقا من معطيات الواقع، ومنهم الكارهون الذين لم يتمنوا ان تقوم لذلك المشروع قائمة يوما ما، واعتبروا دائما أن ظهور ما يسمون بالأصوليين وأشباههم نذير شؤم ومقدمة لكارثة محققة. ومنهم الأبواق الذين يفصلون المواقف استجابة لحسابات ومصالح معينة، لأطراف في خصومة دائمة مع تلك الفئة من الناس.

سواء انطلق هؤلاء المحللون من قراءاتهم وضغائنهم الشخصية، او انهم ركبوا الموجة اثناء سنوات الصدام بين الجماعات الإسلامية وبين بعض الانظمة، أو أنهم انخرطوا في الحملة الأمريكية التي أعقبت أحداث سبتمبر/ أيلول 2001، وتطوعوا او جندوا لصالح ما اطلق عليه الحملة العالمية ضد الإرهاب، فالشاهد ان تلك الاصوات تعددت في الساحة الاعلامية، واصبح لأصحابها حضور لا يكف عن التبشير في كل مناسبة بفشل الأصولية وأفول نجمها، منتقيا حوادث معينة، حقيقية أو وهمية، توظف لتسويغ وتبرير الحكم المعد سلفا، ليس ذلك فحسب، وانما لجأ هؤلاء الى الافتعال والتدليس حين اعتبروا كل من أطلق لحيته او تحدث عن هويته الاسلامية، او ذكر الله في اي باب، جزءا من المشروع الأصولي، وأوهموا الرأي العام بأن الأصولية ليست سوى وحشاً كبيراً هائل الجسم، ومتعدد الأذرع والأطراف، التي تتحرك في مختلف أنحاء العالم، ليس بطريقة عفوية، وانما من خلال عملية منسقة وتنظيم محكم، وهو ما يسرب إلى الإدراك العام وهما موحيا بأن كل المسلمين المتدينين الناشطين في انحاء العالم يجمعهم تنظيم القاعدة الارهابي، وما أدراك ما هو!

أدري أننا بصدد «متاهة» لها أول وليس لها آخر، ذلك انك اذا سألت من يكون الاصولي، فستجد من يقول لك انه كل من قال لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله والتزم بتعاليم دينه، وستجد من يعرفه بانه كل من آثر ان يتشدد على نفسه وعلى غيره، وستجد من يقول لك انه من لم يتطرف في فكره فحسب، وانما ذهب الى حد حمل السلاح وإشهاره في وجه من حوله، ساعياً الى احداث التغيير الذي ينشده بالقوة، ولن تعدم أناسا يفضلون الإبقاء على المصطلح غامضا وفضفاضا، ليتسنى اطلاقه على كل احد، و«تلبيسه» التهمة، الى ان يثبت هو براءته من كل ذلك، وهو ما ألمح إليه احد الباحثين الايرلنديين الساخرين في ندوة شهدتها ذات مرة في لندن، حيث قال إن أسهل تعريف للأصولي في الخطاب الغربي هو انه الشخص الذي لا تعجبنا مواقفه او أفكاره، او حتى هيئته!

هذا التفاوت في تعريف الاصولي يتكرر في حالة التساؤل عن حكاية المشروع الأصولي، وهل هو مشروع واحد، ام ان له تجليات متعددة، وهل لابد ان يكون الاصولي جزءا من مشروع، وما هي طبيعة ذلك «المشروع» الذي تلوكه الألسن، وتحول إلى فزاعة يلوح بها لتخويف الناس وإرعابهم.

هذه المقدمة التي طالت، هي من أصداء شعور بالدهشة والاستفزاز حين قرأت على هذه الصفحة في مثل هذا اليوم من الاسبوع الماضي، استعراضا لأبرز أحداث عام 2006 وأهم مؤشرات العام الجديد، وكان محور ذلك التقييم ان السنة التي مرت كانت سنة الهجوم الأصولي المضاد، وان العام الجديد يمثل بداية الضربة للهجمة الأصولية، وهو ما يدل عليه الحاصل في الصومال الذي يوحي بان المد الأصولي فقد قوة الدفع، ونتائج معركة الصومال ـ التي حسمت على النحو الذي يعرفه الجميع ـ ستؤثر على مصير المعركة الفاصلة والحرب الكبرى التي يخوضها العالم ضد الاصولية، الامر الذي سيؤثر على مسار المعارك الدائرة في ساحات عدة، من بغداد وكابول، الى غزة وبيروت وطهران، وصولا الى القاهرة.. هكذا قيل على الاقل.

هذا التقييم المدهش لم ير في أحداث عام 2006 ولا عام 2007 إلا مسألة «الأصولية» وخطرها «الداهم»، وسرب لنا في السياق الادعاء بأن الحرب ضد الأصولية هي الكبرى التي يخوضها العالم، وليس الولايات المتحدة ومن لف لفها، الى هذا الحد وصل التبسيط والتغليط، الذي يزدري بعقل القارئ ويفترض فيه الغباء وفقدان الذاكرة.

أسقط التقييم عامدا فكرة انهيار المشروع الامريكي التي أثبتتها أحداث عام 2006، والتي دفعت بعضا من كبار الباحثين الامريكيين الى الإقرار بانتهاء الحقبة الامريكية في الشرق الاوسط، ولم يشر بكلمة الى انهيار قوة الردع الاسرائيلية التي كشف عنها العدوان على لبنان في الصيف الماضي، وهو ما أقر به المحللون الاسرائيليون والغربيون وكان له صداه في دوائر صنع القرار الامريكية ذاتها. كما لم يشر بكلمة الى فضيحة حصار الشعب الفلسطيني والتواطؤ الدولي على تجويعه، عقابا له على انه انتخب حكومة حماس في لحظة ديمقراطية نادرة في المنطقة.

لم ير في ذلك التصويت لصالح حركة حماس انحيازا لبرنامج المقاومة، وبطبيعة الحال فانه لم ير في مقاومة حزب الله للاجتياح الاسرائيلي ما يستحق الذكر، ولا في ثبات المقاومة العراقية الباسلة للاحتلال الامريكي ما يستوجب الاشارة.

لأن العرض ظل مهجوسا طول الوقت بمسألة الاصولية والحرب الامريكية العالمية فلم يلحظ شيئا من كل ذلك. وفي حين بدت الأعين مغمضة عن هذه الملابسات، فانها لم تر سوى شيء واحد ميز العام، هو ما أسماه بالهجوم الأصولي المضاد، وفي هذا الاختزال المخل، فشلت الأعين في رصد ضيق الشعوب بالهجوم الأمريكي والإسرائيلي الذي امتهن كرامة الأمة وأثار غضب أغلب شرائحها، وليس الاصوليين وحدهم، وهو ما تجلى في حالتي العدوان على لبنان والحصار الذي حاول تجويع واذلال الشعب الفلسطيني. حالة الصومال التي اعتبرت مدخلا الى عام 2007، ومقدمة لما سمي في العرض بانه بداية ضرب الهجمة الاصولية، نموذج يكشف موقف التبسيط والتغليط في التحليل، المقترن بافتراض جهل القارئ وغبائه اذ لم تعرف الصومال في تاريخها حركة اسلامية ذات وزن سياسي. وليس صحيحا على الاطلاق ان ما كان في الصومال حالة يمكن ان توصف حقا بأنها مشروع أصولي. وإذا كانت المحاكم «الشرعية» هي التي تصدت للأمر، في اطار تجمع اطلق عليه الاتحاد الاسلامي واذا كان اغلب قادة المحاكم والاتحاد قد اطلقوا لحاهم وصبغوها بالحناء، فليس في هذه القرائن ما يدل أن للمشروع الأصولي قدما هناك، رغم ان الأبواق الاعلامية ما برحت تروج لذلك الادعاء ـ حتى زعمت أن في الصومال أربعة آلاف من «المجاهدين» الذين قدموا من أنحاء العالم الإسلامي بما في ذلك بلاد الشيشان، وادعت ان جماعات من الصوماليين تدربت في معسكرات حزب الله في لبنان ـ والذى يعرفه كل متابع للشأن الصومالي ان مشروع المحاكم الشرعية هو في الاساس مشروع القبائل التي ضاقت ذرعا بصراعات أمراء الحرب، بالتعاون مع طبقة التجار الذين وجدوا ان اقتصاد البلد قد دمر وان مصالحهم ضيعت بالكامل، صحيح ان قادة المحاكم فرضوا على الناس بعض القيود التي كانت قريبة مما طبقته حركة طالبان في افغانستان، الا ان تلك القيود كانت تعبيرا عن الالتزام بالتقاليد السائدة، كما هو الحاصل في بعض ولايات نيجيريا مثلا، بأكثر منها التزاما بمشروع واضح المعالم والاهداف.

إن الذين يتحدثون عن تجربة المحاكم الشرعية لا يذكرون انها برزت ردا على التحدي الذي ظهر في بداية عام 2006، حين شكل الامريكيون وقتذاك تجمعا باسم «تحالف مكافحة الارهاب»، الذي ضم عشرة من أمراء الحرب، ذوي الصلات المعروفة بالامريكيين والاسرائيليين، وأغلبهم كانوا يقيمون ويتمركزون في اثيوبيا، في تلك الاثناء استنفرت قبائل المنطقة الجنوبية وتعاون شيوخها مع التجار الذين توافقوا على تقدم المحاكم الاسلامية بالتصدى للهجوم الجديد، وقد نجحت فى ذلك، حتى سيطرت على العاصمة مقديشيو في شهر يونيو من العام الماضي، وحققت السلام والاستقرار في الوسط ومعظم مناطق الجنوب لأول مرة منذ بداية التسعينات، وهو ما لم يرض الحكومة التي رعتها أثيوبيا وكينيا، وتكفلت حكومة اديس ابابا بحمايتها في معقلها الشمالي بمدينة بيداوا. وحين بدا ان المحاكم الاسلامية تتقدم صوب بيداوا لتسيطر عليها، فان اثيوبيا دفعت بجيشها وطيرانها لضرب قوات المحاكم وقصف مطار مقديشيو، الامر الذى احدث انقلابا فى ميزان القوة، أسفر عن هزيمة قوات المحاكم، وتراجعها الى مواقعها في الجنوب واحتمائها بالغابات الموازية للحدود الكينية..

إن ما سمي في استعراض احداث عام 2006 بانه بداية الضرب للهجمة الاصولية كان في حقيقته كما يلى: اجتياح اثيوبي مدعوم بالكامل من جانب الولايات المتحدة واسرائيل (التى كانت طرفا حاضرا في اغلب مساعي المصالحة في الصومال) ـ وهذا الاجتياح أدى الى احتلال دولة هي عضو في جامعة الدول العربية منذ اكثر من ثلاثين عاما (انضمت عام 1974)، ولم يحرك شيئا في العالم العربي، بل ان العكس هو الصحيح، لان الرئيس حسني مبارك صرح عقب اسقاط نظام المحاكم بان مصر ـ الدولة العربية الكبرى ـ «تتفهم» دواعي التدخل الاثيوبي في الصومال.

لقد اصبح كل شيء مستباحا ومقبولا طالما ان الهدف هو ضرب المشروع الأصولي، حتى وان أدى ذلك إلى احتلال بلد عربي وانتهاك عرضه السياسي بتحويله الى لقمة سائغة للاثيوبيين والامريكيين والاسرائيليين .. هل لنا بعد ذلك أن نطمئن أو نتفاءل بما سيأتى به العام الجديد؟!

 


ما بين "التوربيني"
 وطلبة الأزهر

فهمي هويدي

بماذا تفسر أن تظل عصابة اغتصاب الأطفال وقتلهم ترتكب جرائمها البشعة في انحاء مصر طوال سبع سنوات دون أن يشعر بها أحد، في حين أن بعض طلاب جامعة الأزهر لما قامواباستعراض احتجاجي لمدة نصف ساعة أمام مكتب المدير، فإن استنفاراً إعلاميا فورياً حدث، روع الخلق في بر مصر، اعقبته ضربة أمنية قوية، اسفرت عن القبض على 140شخصاً.

(1)

من تابع الإعلام البريطاني خلال الأسبوعين الماضيين لابد أنه لاحظ أن الصحف ومحطات التليفزيون والإذاعة الخاصة والعامة شغلت بقضية سفاح مجهول قتل خمس مومسات في منطقة واحدة. وهو الحدث الذي هز بريطانيا واستنفر اجهزة الشرطة وخبراء البحث الجنائي واساتذة علم النفس والاجتماع، و قد ذكرت صحيفة "التايمز" انه تم تجنيد الفي ضابط وشرطي لملاحقة الفاعل، كما ان فريقاً من الخبراء والعلماء عكفوا على دراسة شخصيته من خلال الجرائم التي ارتكبها ونوعية النماذج التي اختارها والأهداف التي تحراها. ومن هؤلاء عالم النفس دايفيد كارتر الذي قال أن الرجل شديد الذكاء وبالغ الحذر، ورجح أن يكون مقتنعاً بأنه صاحب رسالة "تطهيرية"، وأن تكون دوافعه إلى ارتكاب جرائمه اخلاقية. إذا قارنت هذا الاستنفار الأمني والمجتمعي الذي شهدته بريطانياً بالاسترخاء المشهود الذي تم التعامل به في مصر مع عصابة اغتصاب الأطفال وقتلهم، فسوف يجسد لك ذلك الفرق بين الجد والهزل. ذلك أنه يحق لنا أن نقول أن قتل 30طفلاً وطفلة في ست محافظات مصرية، على أيدي عصابة واحدة خلال سبع سنوات متتالية، إذا لم يكن خَبَره قد وصل إلى علم أجهزة الأمن، فتلك مصيبة، لأنه يعني ان تلك الأجهزة لا ترى ولا تسمع بما يجري على أرض الواقع. أما إذا كانت قد علمت وغضت الطرف وسكتت فالمصيبة اعظم، لأنها في هذه الحالة تكون قد اهملت إهمالا جسيماً اقرب إلى التستر على الجرائم، والاحتمال الأول عندي أرجح - لماذا؟ الإجابة المختصرة لأن امر العصابة حين تم اكتشافه بالصدفة البحتة، فإن أجهزة الأمن لم تقصر في متابعة القضية وكشف ابعادها، فقد علمنا من التقارير الصحفية أن احد افراد العصابة القي القبض عليه في مدينة طنطا بتهمة "التسول". وحين تم اقتياده إلى الضابط المختص، فإنه طلب منه أن يحميه من زعيم العصابة الذي كان يترصده لقتله بسبب مشكلة بينهما. وإذ سأله الضابط عن علاقته بالزعيم وعن نشاط العصابة، فإن الفتى افاض في المسألة واعترف ببعض الجرائم التي ارتكبت. وارشد عن الأماكن التي القيت أو دفنت فيها جثث الضحايا. وكانت تلك هي الخيوط التي قادت إلى كشف المأساة وإلي اعتقال عناصرها، واحداً تلو الأخر.

(2)

التراخي الملحوظ في الكشف عن جرائم العصابة، كان له نقيضه في حالة طلاب جامعة الأزهر. لأن الأعين التي نامت طوال السنوات السبع في الحالة الأولى، كانت مفتوحة عن آخرها وهي تتابع ما يجري داخل حرم الجامعة، خصوصاً الاعتصام الذي قام به بعض أولئك الطلاب أمام مكتب مديرها. وهو الاعتصام الذي دعوا إليه تعبيراً عن الاحتجاج على ما تعرضوا له من مظالم، بدأت بمنعهم من الترشيح لانتخابات اتحاد الطلبة وانتهت بفصل ثمانية منهم. غير أن الأمور سارت في اتجاه مغاير، أو قل أنها قرئت على نحو آخر، بعدما نشرت صور لهم، بثتها إحدى المحطات التليفزيونية، وهم يمارسون لعبة "الكاراتيه" في حين ارتدوا ثياباً سوداء وغطوا وجوههم بأقعنة مماثلة، ووصفوا في خطاب الإثارة الإعلامي بأنهم "ميليشيا"! قراءة الأجهزة الأمنية للحدث عبر عنها بيان الداخلية الذي صدر يوم الخميس 14/12، واعتبر مسلك الطلاب "منعطفاً خطيراً" استهدف فرض اوضاع غير شرعية داخل الجامعة، عن طريق الحث على التظاهر والتحريض على الخروج للطريق العام، في محاولة للاخلال الجسيم بالنظام العام وانتهاك القانون .. الخ. الطلاب عبروا عن رأيهم في بيان قالوا فيه أنهم ارادوا لفت الأنظار إلى قضيتهم، بعد مسلسل المظالم التي تعرضوا لها من قبل الأجهزة الأمنية وإدارة الجامعة. "وأن ما دفعنا إلى أجراء العرض التمثيلي ناتج عن شعورنا بأن أحداً لا يسمع صوتنا، ولا يتحرك من اجل المطالبة بحريتنا داخل الجامعة .. ولكننا اخطأنا في تقدير حركتنا، ولهذا وجب علينا الاعتذار".. لجامعتنا و اساتذتنا و زملائنا عن العمل الذي قمنا به." حين سألت من اعرف من اساتذة الجامعة عن حقيقة ما جرى، قالوا أن الطلاب المعتصمين لجأوا إلى شغل الوقت من خلال تقديم بعض العروض، فكان منها ما هو خطابي وما هو تمثيلي أو رياضي، والصور التي نشرت لفقرة قدمها طلاب التربية الرياضية بالجامعة. رغم أن ما سمعته صور ما جرى بحسبانه فقرة عادية لم يكن لها علاقة بأي شكل من اشكال العنف أو ادواته، إلا أن أحداً لا ينكر أن أداء الفقرة لم يكن عادياً وأن الاستعراض أياً كان تسميته جاء ساذجاً وغبياً، فتح الباب واسعاً للقلق والمخاوف، خصوصاً أن الطلاب ظهروا فيه بأردية واقنعة سوداء، قَلّدوا بها شباب الانتفاضة في الأراضي المحتلة. لقد تحول المشهد إلى قضية يفترض أن يحسم القضاء أمرها، بما يحدد صواب أي من الرؤيتين أو خطئها. لكن المراقب لا يسعه في هذا الصدد إلا أن يسجل أن حملة التصعيد والإثارة التي واكبت المشهد، بدا فيها الخطاب الإعلامي منحازاً إلى التحريض والإثارة، ومتبنياً للقراءة الأمنية دون غيرها.

(3)

هل هناك علاقة بين قضية عصابة "التوربينى" -هكذا سمي زعيمها- وبين قضية طلاب جامعة الأزهر؟ ردي على السؤال أن ثمة علاقة غير مباشرة، من أكثر من زاوية. فمن ناحية نجد في عصابة قتل الأطفال بعد اغتصابهم بعضاً من سمات "مصر الأخرى"، التي لا تذكر في وسائل الإعلام إلا في صفحات الحوادث، ولا يشار إليها إلا مرتبطة بالكوارث والجرائم، وهي العالم الآخر الذي يقبع في المساحة المظلمة من صورة المجتمع، التي تخفي واقعاً عشوائياً تغيب عنه السلطة، وتكاد تحكمه شريعة الغاب. ولأن أهله هم ضحايا الفقر والبطالة واهمال الدولة واستعلاء النخبة، فلا غرابة أن يصبح موطنا للجريمة والرذيلة ومختلف تجليات التحلل الاجتماعي. ولك أن تذهب إلى ابعد وتقول أن ما اقدمت عليه العصابة إذا كان قد صدم المجتمع المصري واثار اشمئزاز وقرف كل شرائحه، إلا أنه ليس غريباً ولا مفاجئاً تماماً. ذلك أن تقارير منظمات حقوق الإنسان، التي تسجل الانتهاكات التي يتعرض لها البشر، إذا اوقعتهم حظوظهم البائسة في ايدي من لا يرحم في المخافر والسجون والمعتقلات، لا تخلو من افادات من هذا القبيل، تتراوح بين هتك العرض والقتل البطىء (هل تذكر شريط الصور الذي سجل هتك عرض احد المواطنين في مخفر الشرطة بحي امبابة؟) الأمر الذي يعني عند التحليل الأخير أن الاختلاف بين هذه الممارسات وتلك، هو في الدرجة فقط وليس في النوع. وإذا كانت العصابة رمزاً لحالة اجتماعية بائسة طفحت على جسم مصر الأخرى. فإن ما اقدم عليه اولئك النفر من طلاب جامعة الأزهر يرمز إلى حالة من الاحتقان السياسي الذي ينبغي أن تفهم ابعاده ويدرك سياقه. صحيح أن هذا السلوك شاذ وغريب على جامعاتنا. لكن من الصحيح أيضاً أن الباحثين المنصفين لا يختلفون حول الظروف التي استدعته وافرزته. حيث لا مفر من الإقرار بأن هذا السلوك الشاذ نتاج ظروف شاذة مماثلة. أن شئت فقل أن الإسراف في التعبير عن الاحتجاج والغضب، هو رد فعل مباشر للإسراف في قمع الطلاب والتدخل الأمني في شؤون الجامعات. وهو ما دفع كاتباً نزيهاً مثل الدكتور عمرو الشوبكي إلى القول بأنه " إذا حوسب المسؤول عن ادخال البلطجية إلى جامعة عين شمس (لقمع الطلاب الذين حرموا من الترشيح فلجأوا إلى اقامة اتحاد حر مواز)، فلابد أن نحاسب الميليشيات الطلابية السوداء على ما فعلته في جامعة الأزهر، برعونة لا تعي خطورتها" (المصري اليوم - 14/12).

(4)

في "احلام فترة النقاهة" - الحلم رقم 203 - التي تطبعها الآن "دار الشروق" مكتملة، كتب الاستاذ نجيب محفوظ يقول: رأيتني أقرأ كتاباً وإذا بسكارى رأس السنة يرمون قواريرهم الفارغة، فتطايرت شظايا، وينذرونني بالويل، فجريت إلى اقرب قسم شرطة. ولكني وجدت الشرطة منهمكة في حفظ الأمن العام، فجريت إلى فتوة الحي القديم، وقبل أن انتهي من شكواي هب هو ورجاله وانقضوا على الخمارة التي يشرب فيها المجرمون، وانهالوا عليهم بالعصي حتى استغاثوا بي! المعنى الذي اراد نجيب محفوظ توصيله أن "الأمن العام" في مفهوم رجال الشرطة ليس هو أمن الناس أو المجتمع، ولكنه امن النظام، وعلى الناس أن يدركوا هذه "الحقيقة" وأن يتصرفوا على هذا الأساس. وملاحظته هذه صائبة و تفسر لنا المفارقة التي نحن بصددها، حيث لم تنتبه الشرطة إلى عمليات القتل التي مارستها عصابة التوربيني طوال السنوات السبع التي خلت، لأنها كانت منشغلة "بالأمن العام" المتمثل في متابعة النشطاء السياسيين، الأمر الذي يجسد تركيز الاهتمام على الأمن السياسي دون الأمن الاجتماعي. هذا التفسير رددته بعض التحليلات التي نشرتها الصحف المستقلة، حتى اصبح امراً متعارفاً عليه ومسلماً به. ناهيك عن ان شواهد الواقع تؤيده. والانطباع السائد في المجتمع المصري الآن أن اغلب مخافر الشرطة اصبحت تستقبل بفتور وعدم اكتراث أي بلاغ تتلقاه حول قضية جنائية أو مدنية، لكنها تستنفر وتهرول، إذا كانت القضية سياسية أو كان البلاغ يشكك في وجود رائحة للإرهاب في أي مكان. ليس ذلك فحسب، وإنما بات مستقراً في أوساط الشرطة أن كفاءة الضابط أو القيادي، ومن ثم ارتقاؤه واستمراره، ذلك كله يقاس بمدى الانجاز الذي يحققه في ملاحقة واجهاض العمليات الإرهابية، فضلاً عن كفاءته في "التعامل" مع الإرهابيين بالأسلوب "المناسب". وهو ما يدفع رجال الأمن إلى التفاني في اتجاه والتراخي في الاتجاه الأخر، وفي ظل ذلك الوضع فلا يستغرب إلا ترصد ممارسات عصابة "التوربيني"، بينما تسلط الأضواء القوية على ممارسات طلاب الجامعة. إذ بحكم ذلك المنطق، فإنه من حسن حظ الرجل وعصابته أنهم ليسوا في عداد "الإرهابيين"، حيث لم يفعلوا اكثر من أنهم اغتصبوا وقتلوا 30 طفلاً فقط! اعرف صديقاً من انصار نظرية المؤامرة، لاحظ المفارقة في موقف اجهزة الأمن من القضيتين، فحاول اقناعي بأن المبالغة في تضخيم ما جرى في جامعة الأزهر ليست سوى فرقعة اريد بها ضرب ثلاثة عصافير بحجر واحد. إذ من شأن الفرقعة أن تصرف الانتباه عن الفشل الأمني في ضبط عصابة التوربيني في الوقت المناسب، كما أن لها أثرها الأكيد في ترويع الناس وتخويفهم، الأمر الذي يدفعهم إلى التشبث بما هو قائم. ثم أنها تشكل غطاء مناسباً لتوجيه ضربة اجهاضية واستباقية تؤدب المشاغبين وتردعهم بعد تزايد الصداع الذي يسببونه للنظام في الآونة الأخيرة.

إلى هذا المدى ذهب البعض في التأويل والاستنتاج.

 


عن البيان الأول
 لثورة القذافي الابن

قبل أيام قليلة من حلول الذكرى السادسة والثلاثين لثورة الفاتح من سبتمبر، أطلق سيف الإسلام القذافي، نجل الزعيم الليبي، بيانه الأول الذي أعلن فيه بداية ثورة جديدة على أوضاع بلاده التي وصفها بالمزرية والمتردية في كافة المجالات. وبشر الجماهير الليبية بطموحه لإعداد خطة لإعادة بناء البلاد لمائة سنة قادمة (هكذا مرة واحدة). ورغم أن القيادة الليبية عودتنا على المفاجآت بين الحين والآخر إلا أن بيان سيف الإسلام يمثل مفاجأة من نوع خاص من العيار الثقيل إن شئت الدقة.
 

وإذ لا نتصور أن هذا الكلام الذي أطلقه صَدَرَ بغير علم الزعيم القذافي أو رغما عنه في الأقل بدليل أن الشاب ما زال على قيد الحياة وما زال رأسه في موضعها بين كتفيه، إلا إننا لا نخفي استغرابا لتوقيت صدوره، إذ المعتاد في مناسبة ذكرى قيام «الثورة» أن نستعرض الإنجازات التي حققتها، خصوصا إذا كانت قد بلغت من العمر 36 عاما، ولكن المفاجأة الثقيلة تمثلت في أن الكلام جاء مُعلنا فشل الثورة وتردي كل أوضاع الشعب الليبي بعد قيامها حتى الآن. السيد سيف الإسلام لم يذكر حسنة واحدة ذات قيمة لتجربة النظام طيلة تلك الفترة الطويلة.
 

الطريف في الأمر أن ما قاله نجل الزعيم الليبي لم يختلف في شيء عما يقوله معارضو النظام، الذين دفع الآلاف منهم حياتهم ثمنا لموقعهم وشيوع الفساد في البلاد، حتى ليبدو لي أن مساعدي سيف الإسلام جمعوا بيانات المعارضة الليبية المنشورة في الخارج، خصوصا على مواقع الإنترنت، وبعد أن حققوا موضوعاتها، قدموها إليه لكي يتبناها كاملة، ويسحب البساط من تحت أقدامهم بل ويذهب إلى ابعد، حيث يقدم نفسه باعتباره القطبَ المعارضَ للنظام والمرشح لإصلاحه وتصويب أخطائه، ومن ثم فإنه يقوم بدور المنقذ الحقيقي للبلاد، وليس تلك المجموعة العاملة بالخارج التي تسمي نفسها جبهة إنقاذ ليبيا.. وكأنه أراد أن يقول: انهم يكتفون بالنقد والتنديد ولكنني أمارس النقد مثلهم تماما، والتفوق عليهم في القدرة على تقديم الحلول من داخل النظام.
 

طبقا لما نشر عن خطاب سيف الإسلام بعدما فهمنا انه يرأس ما سمي بـ«مؤسسة القذافي للتنمية» التي نظمت في بلدة سرت الملتقى الأول للمنظمة الوطنية للشباب الليبي (حضره 15 ألف شخص)، فان ليبيا في وضعها الراهن بلا دستور ولا صحافة ولا ديمقراطية ولا تنمية (لا تسأل ماذا بقي بعد ذلك؟!) ولأن الأمر كذلك فلا مفر في رأيه من إعادة بناء البلاد من جديد في إطار حملة شعارها «معاً من اجل ليبيا الغد».
 

في تفعيل مشروعه الإصلاحي الذي ذكر انه سيدخل حيز التنفيذ في شهر سبتمبر المقبل، أشار إلى انه ستتخذ إجراءات عملية للنهوض بالتعليم، بحيث سيتم توفير مليون حاسوب لمليون طفل ليبي وزف إلى مستمعيه خبر تبرع الولايات المتحدة بنصف هذه الكمية وذهابها في الكلام إلى حد تقديم خدمة الإنترنت بالمجان لكافة المؤسسات الليبية خلال عام كامل. ولكي يؤكد بشارته، فإنه أعلن أن مسؤولا أمريكياً التقى العقيد القذافي قبل أيام، ونقل إليه الرغبة الأمريكية في تطوير التعليم بليبيا، والمنحة التشجيعية المقدمة لها في هذا الإطار.
 

من التعليم انتقل إلى الصحة، وذكر أن 40 مستشفًى ليبياً سيتم ربطها بمثيلات لها أجنبية لتطويرها، كما سيتم تحسين دخول الأطباء والعاملين في ذلك القطاع، مشيرا إلى تدهور الخدمات في ذلك القطاع، الأمر الذي أدى إلى انتشار السرطانات والأوبئة في الاقتصاد.
 

وقال القذافي الابن إن ثمة خطة لإلزام 750 شركة أجنبية تعمل في ليبيا بتشغيل المواطنين، وتحدث عن إقامة مليون شركة خلال عقد من الزمان يملكها ليبيون، وعن ضرورة المساواة بين المستثمرين الأجانب والليبيين في المزايا والإعفاءات، كما تحدث عن خطط لرفع إنتاج ليبيا من النفط لكي يصل بعد ثمانية اشهر إلى مليوني برميل يوميا.
 

على هذا المنوال، ظل يتكلم صاحبنا مفصلا في الإصلاحات المنوط إجراؤها في مجالات الخدمات المصرفية والاتصالات والزراعة والسياحة والصناعة والطرق والكهرباء والمياه والشباب.
 

وأعلن قرارا برفع الحد الأدنى للأجور بحيث يصل إلى 200 دينار في القطاع العام و250 دينارا في القطاع الخاص (رسميا الدولار يساوي 1.28 دينار). كما أعلن خططا لمعالجة ظاهرة البطالة بين المواطنين مطالبا بتحويل الدعم السلعي الذي يقدر بتسعة ملايين دينار ليبي لدعم المرتبات.
 

هذا الكلام الكبير جدا، أطلقه سيف الإسلام ليس بوصفه وليا للعهد، كما قال، ولكنه بصفته أحد أبناء ليبيا الغيورين على مصالحها، والذين وضعتهم المقادير على رأس «مؤسسة القذافي للتنمية». ولئن اعتبر مشروعه إصلاحيا إلا انه يمثل محاكمة للنظام الليبي، ووثيقة تثبت فشل تجربته المستمرة منذ 36 عاما، ولا يستطيع المرء أن يستقبله إلا بحسبانه محاولة لتحسين صورة النظام من خلال دغدغة مشاعر الجماهير الليبية وامتصاص سخطها وتبني مطالبها ثم أنه محاولة لا تخفي دلالتها لتعزيز موقع سيف الإسلام كمنقذ ووريث ودعوة ضمنية للمراهنة عليه في المستقبل باعتباره معارضا للنظام وامتدادا له في نفس الوقت.
 

لقد تجاهل الإعلام العربي خطاب سيف الإسلام الذي ألقاه في20-8-2008  أغلب الظن لأن أحدا لم يأخذه على محمل الجد في ليبيا، فما بالك بخارجها، مع ذلك فانه يتضمن اشارات جادة لا ينبغي تجاهلها. إضافة إلى ما سبقت الإشارة إليه، فانه يجيء كاشفا عن عمق الأزمة التي يواجهها النظام، الأمر الذي جعله يحتمل كلاما قاسيا للغاية كالذي مررنا به وننحي فيه باللائمة على الفساد والبيروقراطية والقطط السمينة والمافيا الليبية من دون أية إشارة إلى مسؤولية النظام الذي تربى فيه هؤلاء وترعرعوا، وفي إيهام بأن هؤلاء مسؤولون عن مظاهر الفشل والتردي التي عمت البلاد، بما في ذلك تغييب الدستور وإهدار القانون ومصادرة الحريات.
 

ولا يستطيع قارئ البيان أن يتجاهل دور الأصابع الأمريكية في مشروع التغيير، وهو ما ظهر في الإشارة إلى حماس واشنطن لتطوير التعليم في ليبيا، ومخاطبة العقيد القذافي في هذا الامر، والمنح الأمريكية المقدمة لتشجيع المضي في التطوير (بالمناسبة منذ متى كانت ليبيا النفطية بحاجة إلى منحة حواسيب أمريكية أو خدمة إنترنت مجانية؟).
 

حين عرضت في اليمن قصة التجديد للرئيس علي عبد الله صالح بعد إعلانه عزوفه عن الترشيح للرئاسة ثم امتثاله مضطرا للجماهير التي جرى تحريكها لمطالبته بالاستمرار في موقعه، كتبت في هذا المكان أن هذا فيلم «شاهدناه من قبل»، هذا التعليق يلح عليَّ الآن بعدما تكررت حكاية الابن الذي يظهر على المسرح السياسي مرتكزا على سلطان أبيه، ليقدم نفسه مصلحا ومجددا وناقدا لسلبيات النظام القائم، لكي يكون ذلك بابه إلى التوريث واستمرار احتكار السلطة في إطار الأسرة؛ وبالتالي، فإنني أعيد التعليق هذه المرة على شعور عميق بالحزن والأسف من جراء ذلك العبث الذي يُمَارَسُ في حلبة السياسة العربية بعدما تحولت اغلب ممارستها إلى أفلام تفتقد المصداقيةَ والجديةَ وبعضها هزليٌّ إلى حد كبير.

 

كي لا تضيع منا «بوصلة» ما بعد الحرب

أخشى ما أخشاه أن تتوه منا «البوصلة» في التعاطي مع مشهد بعد العدوان الإسرائيلي على لبنان، فننصرف إلى معارك ثانوية تصفى فيها الحسابات وتفرغ المرارات في حين نسقط من أولوياتنا واجبات الوقت واستحقاقات المصير.يدفعني إلى التعبير عن تلك الخشية ما أتابعه في وسائل الإعلام العربية التي لا يزال الجدل فيها محتدما حول ما إذا كان حزب الله قد انتصر أم انه فقط لم ينهزم، وحول التصريحات السياسية التي خرجت من دمشق أخيرا، وما أحدثته من جراح في العلاقات العربية ودور إيران فيما يجري وما إذا كانت بصدد الدخول في مرحلة جديدة من مراحل تصدير الثورة..الخ.قد تكون بعض هذه الموضوعات والعناوين مهمة وتستحق البحث والمناقشة، لكنني ازعم أن هناك أمورا أهم منها، وينبغي أن تحتل مكانها في صدارة أولويات «أجندة» المرحلة، إذا جاز التعبير وأتمنى أن يحدث توافق عربي على رفض الاستدراج في مناقشة المهم في الوقت الراهن، لإفساح المجال للتعاطي الجاد والمسؤول مع ما هو أهم خصوصا إذا بدا في الأفق أن الآتي قد يكون اخطر بكثير مما نتصور، الأمر الذي يستوجب التسلح بدرجة عالية من الوعي والاستنفار.لم يعد سرا أن حملة تدمير لبنان تجاوزت في أهدافها مسألة الجنديين الأسيرين، وأريد بها شيء آخر، أو أشياء أخرى، بعضها يتعلق بالمصالح الإسرائيلية المباشرة، وبعضها الآخر وثيق الصلة بالمخططات الأميركية. كما لم يعد سرا أن خطة غزو لبنان كانت معدة سلفا. بمشاركة أميركية إسرائيلية، وإنها كانت تتحين فرصة التنفيذ، الذي كان مقدرا له أن يتم في الخريف القادم. وهي المعلومة التي ترددت في كتابات عدة منها ما كتبه الصحافي الأميركي الشهير سيمور هيرش في مجلة «نيويوركر» «عدد 12/8» ومنها تقرير الكاتب الأميركي وين مادسون المتخصص في شؤون الأمن القومي، الذي نشره في عدة صحف أميركية، وأورده مناهضو الحرب في إسرائيل على موقعهم الإلكتروني وفيه أورد تفاصيل عديدة حول تاريخ اللقاءات الأميركية والإسرائيلية الأخيرة التي ناقشت خطة الغزو «في 17 او 18/6» ومكان تلك اللقاءات التي تمت في ولاية كلورادو، وأسماء المشاركين فيها، في مقدمة الأميركيين نائب الرئيس ديك تشيني وفي مقدمة الإسرائيليين بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء السابق، في التقرير أيضا حديث صريح عن مخطط استهدف ما سمي بـ «تنظيف الشرق الأوسط» الذي بدأ باحتلال العراق، ومهد لضرب سوريا وإغلاق الملف الفلسطيني، لكي ينتهي بقصف إيران وتدمير مشروعها النووي. الفكرة ذاتها ترددت فيما نشر الكاتب البريطاني جورج مونبيورت في صحيفة الغارديان «عدد 8/8» وفيه قرر أن خطة غزو لبنان الأصلية أعدتها إسرائيل في عام 2004 وأجريت عليها تعديلات عدة بعد ذلك، اشترك فيها الأميركيون والبريطانيون.نحن إذن بازاء خطة موضوعة لها ثلاثة أهداف هي: تطويع لبنان من خلال القضاء على حزب الله تمهيدا لإلحاقه بقطار التطبيع مع إسرائيل ـ تصفية القضية الفلسطينية ـ ضرب إيران، وهذه الأهداف تطمئن إسرائيل وتضمن لها السيادة الإقليمية، وفي الوقت ذاته تفتح الباب لإحكام الهيمنة الأميركية التي تتجسد في ما سمي بالشرق الأوسط الجديد.صحيح أن العدوان على لبنان لم يحقق مقاصده بسبب الوقفة الباسلة لرجال حزب الله والصمود اللبناني وتماسكه، إلا أن ذلك لا يعني أن مسعى تحقيق الأهداف قد توقف، بل لعلي ازعم أن الطرفين الإسرائيلي والأميركي باتا اكثر إصرارا على بلوغها، لإثبات أنهما لا يزالان «القوى التي لا تقهر» على الصعيدين الإقليمي والدولي، ولئن تحدث رئيس الأركان الإسرائيلي عن جولة أخرى في الصراع العسكري إلا أن الشواهد تدل أيضا على أن ما لم يتحقق على جبهة القتال، لم تتوقف محاولات إنجازه على الصعيدين السياسي والدبلوماسي.ما أريد أن أقوله هو أن الخطر لم يزل وإذا كان لبنان قد وضع في الصدارة في هذه الجولة، فإن الأمة العربية كلها تظل المادة الأساسية لمشروع الشرق الأوسط الجديد، وبدرجة أو أخرى فلن يسلم بلد من دفع ثمن في ذلك المشروع. وواهم من يظن انه ناج من الطوفان المرتقب، إذا تم ابتلاع لبنان، وإغلاق الملف الفلسطيني وإذا قصفت إيران ودمر مشروعها النووي. إذا صح هذا التحليل ـ واحسب انه صحيح ـ فانه يلزمنا بعدة استحقاقات في الوقت الراهن في مقدمتها ما يلي:

العض بالنواجذ على التضامن العربي لان ذلك التضامن سيظل العاصم الوحيد من الانجراف مع الإعصار المرتقب وذلك يفرض على نخبة أهل السياسة ورجال الإعلام أن يتحلوا بالمسؤولية والنظر البعيد، في الوقت الراهن على الأقل، إذ ليس هذا أوان تصفية الحسابات أو كيل الاتهامات لهذه الدولة أو تلك كما إننا بالتراشق الإعلامي نسهم في تمهيد الطريق لإنجاح المخطط المرسوم، وإذا كان الإسرائيليون والأميركيون قد استثمروا إلى حد بعيد تصريحات بعض الساسة العرب في بداية الحرب، واعتبروها غطاء لهم وتعبيرا عن استحسان حملة تدمير لبنان فان تبادل الاتهامات واستمرار التراشق الإعلامي في الوقت الراهن يوفر غطاء جيدا للخطط الشريرة التي تدبر لمستقبل المنطقة، ولعلي لا أبالغ إذا قلت إن الإعلام يستطيع أن يلعب دور البوق الذي يؤجج الصراع العربي ـ العربي، ويعمق من الفتنة كما انه يستطيع أن يلعب دور الرائد الذي يتحرى مصلحة الأمة في تحقيق التضامن ومداواة الجراح، وتبصير الجميع بميقات الخطر الحقيقي ومكانه، وغيرها من الأمور التي يختزنها التآمر الإسرائيلي الأميركي من أجل الهيمنة وتقاسم النفوذ في المنطقة.احتضان لبنان والأخذ بيده، فليس هذا وقت الاصطفاف إلى جانب هذا الفريق أو ذاك في بيروت وإنما المطلوب بشدة هو الدعوة إلى تماسك لبنان كله، واذكر مرة أخرى بأن تجربة الحرب أثبتت أن الهدف لم يكن حزب الله وحده، ولكنه كان ولا يزال رأس لبنان كله، للصعود فوق جثته تحقيقا لمآرب أخرى. والاحتضان الذي أدعو إليه لا ينبغي أن يقف عند حدود الدعم السياسي ولكنه يجب أن يترجم إلى مشاركة كاملة في إعمار لبنان الذي أصر الإسرائيليون على تدميره وإشاعة الخراب فيه، لكسر صموده وإثارة الفتنة في أرجائه، وإذا كانت الاجتهادات قد تفاوتت في شأن الحرب، فأحسب انه لا مجال للاختلاف حول قضية الاعمار. نعم هناك إسهامات طيبة في هذا الصدد، تمثلت فيما قدمته السعودية والكويت وقطر من دعم مالي وما قدمته دول أخرى على صعيد الإغاثة، إلا أن مسؤولية الاعمار إذا أريد لها أن تؤخذ على محمل الجد فإنها تحتاج إلى جهد اكبر، واكثر تنسيقا ولا بد أن لأهل الاختصاص أفكارهم في هذا الصدد. وبالمناسبة فقد شجعني تعهد قطر ببناء قريتين هدمتا في الجنوب على الدعوة إلى توزيع القرى الأخرى على الدول العربية، والى طرح فكرة المؤاخاة بين البلدان اللبنانية ونظيراتها العربيات، وليت مثل هذه الأفكار وغيرها تطرح أمام مؤتمر عربي لاعمار لبنان، يعقد تحت رعاية الجامعة العربية أو بنك التنمية الإسلامي.

* فض الاشتباك مع إيران والكف عن التلويح بالفزاعة الوهمية المسماة بالهلال الشيعي، لمواجهة التهديد الحقيقي الذي تمثله نجمة داوود. وعندي أسباب عدة تدفعني للإلحاح على هذه الدعوة منها أن الشيعة الجعفرية اخوة لنا في الإسلام لهم علينا حق المودة والكرامة ثم انهم أخوة لنا في الوطن، حيث يمثلون نسبة لا يستهان بها في العالم العربي في الوقت ذاته فقد يثبت أن إيران مستهدفة في الحرب، وان ما قيل عن سعيها إلى إشعال نار تلك الحرب لا أساس له. ومن المنظور الاستراتيجي فإن إيران جارة قوية تقف في ذات الخندق الذي نقف فيه، على الأقل في موقفها المعادي لإسرائيل والرافض للهيمنة الأميركية.

صحيح أن ثمة خلافات سياسية مع طهران حول دورها في العراق أو مسألة جزر الخليج، إلا أن استدعاء تلك الخلافات في الوقت الراهن يضعف الاحتشاد المطلوب لمواجهة المخطط الإسرائيلي الأميركي، فضلا عن أنه لا يؤدي إلى حلها، وفي كل الأحوال ينبغي أن ننتبه إلى أن تعميق الفجوة بين إيران والعرب والسعي للإيقاع بينهما هو سياسة يتبعها ويلح عليها أعداء الأمة منذ قامت الثورة الإسلامية في عام 1979.

إن أحوج ما نحتاجه هذه الأيام، ألا نكتفي بالنظر تحت أقدامنا وإنما نرفع رؤوسنا بعض الشيء لنمد أبصارنا لنرى ما يلوح في الأفق البعيد وكله علينا وليس لنا.


سنة «العار»

هي سنة العار بامتياز، تلك التي نعيشها الآن، باعتبار ان آيات الذل والمهانة والتآمر والخنوع، تشكل قسمات رئيسية لها، من وجهة النظر العربية على الاقل. وطالما درج العرب على وصف العام بأبرز أحداثه، فعرفوا عام الفيل وعام الرمادة، وصولا الى عام النكبة ثم النكسة، وبعدها سنة الانتفاضة، فإن مختلف الشواهد ترشح عامنا هذا لأن يدخل التاريخ من باب العار. أما حيثيات ذلك الترشيح فهي كثيرة، فيما يخص المشهد الفلسطيني على وجه التحديد.ان الكلمات تعجز عن وصف وقائع حملة الابادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني والتي تحولت فيها اسرائيل الى آلة للموت. لا تطأ مكانا او تلامسه إلا أشاعت فيه الخراب، وهي في ذلك تتصرف بمنطق تجاوز بكثير حدود التفكير النازي، الذي اذا كان قد برر ابادة البشر، فإنه لم يذهب الى حد تخريب العمران، بل انه في ابادة البشر كان ينتقي اناسا بعينهم أو فئات بذاتها. أما الممارسة الاسرائيلية فإنها لجأت الى معاقبة الشعب بأكمله من دون أي تمييز بين فئاته، مستخدمة في ذلك كل ما تملك من اسلحة الفتك والقتل والدمار.نعم، فكرة إبادة الفلسطينيين ليست جديدة، لأنها حلم راود آباء المشروع الصهيوني من البدايات. وكانت المذابح وعمليات تسميم الآبار، ثم القتل المنظم الذي استهدف الناشطين الفلسطينيين. ضمن المحاولات وغيرها (التهجير والطرد) من تجليات استهدفت التخلص من الفلسطينيين بكل ما أتيح من سبل. لذلك فإنني أزعم بأن ما نشهده الآن هو اختلاف في الدرجة وليس في النوع. فحين تضرب محطات الكهرباء والمياه، الى جانب الجسور والطرق التي تربط بين الاحياء، فذلك نوع من إماتة الحياة، وحين يترتب على ذلك ان تعيش 200 الف اسرة بلا كهرباء في عز الصيف، ويعجز الناس عن الحصول على المياه من الآبار، بسبب تعطيل المولدات التي تستخدم لهذا الغرض، ثم يؤدي انقطاع التيار الكهربائي الى تأجيل 200 عملية جراحية في القطاع كل يوم، والى اختناق كل من اعتمد على الكهرباء في التنفس والعلاج.. حين يحدث ذلك كله ـ جنبا الى جنب مع القصف اليومي بالصواريخ، فإنه لا يفسر إلا بحسبانه إماتة ممنهجة تقتل البشر ببطء وعلى نحو تدريجي.ذلك كله ليس مستغربا من السلوك الاسرائيلي الذي خبرناه منذ القرن الماضي، ولكن المستغرب والمشين حقا، هو صدى تلك الممارسات في بعض الدوائر الفلسطينية، وفي العالم العربي، والعالم الخارجي، وهو الصدى الذي لا يفسر إلا بأنه نوع من التستر أو التواطؤ، الذي يجلل بالعار كل المشاركين فيه حتى قيام الساعة.إن أردنا أن نتصارح في قراءة المشهد، فلا مفر من الاعتراف بأن بعض عناصر السلطة الفلسطينية اختارت موقفا في الصراع أقرب الى الاسرائيليين منه الى الفلسطينيين. بتعبير أدق، فإن تلك العناصر المتنفذة التي دأبت على التنازل عن الحقوق الفلسطينية وعارضت استمرار المقاومة والانتفاضة، أسفرت عن وجهها الحقيقي منذ فازت حركة حماس في الانتخابات التشريعية، وانتزعت منها السلطة بطلب من الجماهير، بعدما احتكرتها أمدا طويلا. واذ رفضت تلك العناصر التسليم بنتائج الانتخابات، فإنها شغلت بإزاحة حماس عن السلطة والكيد لها بكل الوسائل، ومن ثم عنيت بتصفية حساباتها الذاتية بأكثر من انشغالها بالقضية. ذلك ان فوز حماس لم ينحها عن سلطاتها فحسب، ولكنه أيضا أحدث انقلابا في التعاطي مع الملف الفلسطيني. أوقف مسلسل التنازلات، وأعاد الاسئلة الاساسية المتعلقة بالاحتلال والمستوطنات ومستقبل الدولة وحق اللاجئين في العودة، وغير ذلك. وأصبح جوهر موقف تلك العناصر ينطلق من العمل على استعادة السلطة، وليس استعادة الحق المغتصب في فلسطين.في ذلك الصراع المرير، بدا أن هؤلاء يقفون في المربع الاسرائيلي، ويشاركون بكل ما يملكون من وسائل في الحرب الشرسة التي أعلنتها تل ابيب على حكومة حماس. وحين احتضن ابو مازن رئيس الوزراء الاسرائيلي امام عدسات المصورين في عمان، وسط المذبحة الاسرائيلية المستمرة في غزة، فإن ذلك التصرف الجارح والمهين للشعب الفلسطيني، كان تعبيرا عن الموقف الذي أتحدث عنه. وحين شكل وزير الداخلية قوة لضبط الفلتان الأمني في القطاع، الذي يعرف الجميع ان جهاز الامن الوقائي يسهم فيه، فإن تلك العناصر سابقة الذكر، نشرت قوة مسلحة من عناصر فتح قوامها ألفا شخص، الأمر الذي استدعى السؤالين التاليين: لماذا ظهرت هذه القوة في المواجهة مع حماس؟ ولماذا لم تظهر من قبل في مواجهة الاجتياحات الاسرائيلية؟!من أسف، أن ثمة كلاما كثيرا عن دور رئيس السلطة، السيد ابو مازن، في دعمه الدول التي زارها لإحكام مقاطعة حماس، ومن ثم حصار الشعب الفلسطيني. وهناك كلام آخر عن ارتياح الدوائر المشار اليها لاستمرار القصف الاسرائيلي لقطاع غزة، بمظنة أن ذلك من شأنه أن يثير غضب الجماهير ضد حكومة حماس، ومن ثم يعجل بإسقاطها. ولا يفوتنا في هذا الصدد أن نسجل أن تلك الدوائر سارعت الى تسريب أخبار تشكيل حكومة جديدية، لملء ما أسموه بالفراغ السياسي الناشئ عن اعتقال 8 وزراء من حكومة حماس. إذ بدلا من إدانة جريمة خطف الوزراء وأعضاء المجلس التشريعي الذين تم اعتقالهم، فإنهم أعربوا عن ارتياحهم للخلاص منهم، وقدموا أنفسهم كي يحلوا محلهم!

وفي حين تم اللعب بورقة وثيقة الاسرى التي قدمت للحوار الوطني، وأضيفت عليها قداسة استنادا الى مكانة الاسرى وتضحياتهم الجسيمة، فإن تلك العناصر في فتح لم تعن بالمطالبة بإطلاق ولو بعضهم ومبادلتهم بالجندي الاسرائيلي، الذي اختطف مؤخرا. وبدا واضحا للعيان أن هؤلاء اعتبروا وثيقة الاسرائيلي أهم من الاسرى أنفسهم، في مسلك محزن يكشف عن ان الوثيقة لم تكن سوى لعبة سياسيين، من ضمن الألاعيب التي أريد بها الكيد على حكومة حماس والاحتيال لإسقاطها.الأدهى من ذلك والأمر، ان عناصر السلطة المشار اليها أبدت حماسا تجاه الاسرى الاسرائيليين بأكثر من حماسها لاستعادة الاسرى الفلسطينيين. تشهد الأخبار الخارجة من غزة، التي تتحدث عن جهود حثيثة يبذلها رجال الامن الوقائي والمخابرات الفلسطينية، وقيادات الجهازين معروفة بانتمائها وولائها، للعثور على الجندي الاسرائيلي المختطف، جنبا الى جنب مع المخابرات الاسرائيلية. وبين يديّ بيان صادر في 2 يوليو (تموز) الحالي عن ألوية الناصر صلاح الدين، الجناح العسكري للجان المقاومة الشعبية، تحدث عن دور الجهازين المشار اليهما في محاولة العثور على المستوطن الاسرائيلي، الياهو اشري، الذي تم اختطافه في الضفة، وكيف ان المقاومين تخلصوا منه حينما اكتشفوا ذلك الدور، الذي اعتبره البيان «حماية للعدو ووقوفا في خندقه»، في مواجهة المقاومة الفلسطينية.

العار العربي لا يقل بؤسا عن العار الفلسطيني، ذلك ان عواصم العرب وقفت متفرجة على ما يجري في غزة، ليس ذلك فحسب، وإنما فتح بعضها ابوابه لاستقبال رئيس الوزراء الاسرائيلي، بينما الدماء تنزف غزيرة في القطاع، والقصف مستمر بصورة يومية. أكثر من ذلك فإن السيد اولمرت استقبل بترحاب في مصر، في حين ان دماء اثنين من الجنود المصريين اللذين قتلهم الاسرائيليون لم تكن قد جفت بعد. وثمة معلومات تقول بأن احدى عواصم العرب تحركت بالتنسيق مع الاسرائيليين، في حين وجدنا عواصم أخرى شغلت بالوساطة بينهم وبين الفلسطينيين. وكان همها طيلة الأيام الأخيرة متمثلا في كيفية ترتيب الإفراج عن الجندي الاسرائيلي المخطوف، حتى تصرفت تلك العواصم الأخيرة باعتبارها «محايدة»، وليست طرفا في الصراع! وكأن هاجسها الحقيقي هو استرضاء الاسرائيليين والتقرب الى الادارة الامريكية.وفي حين تصور المرء، ان بشاعة المنظر اليومي في غزة سوف تفجر الشارع العربي، فإذا بنا نفاجأ بأن ذلك الشارع استسلم لسكون مدهش، لا أستطيع ـ ولا أتمنى ـ أن أصفه بالبلادة او الخنوع، وأرجو ان يصدق تقديري في انه راجع اما الى الخوف او الاختزان (لا أصدق ان انشغال العرب بمباريات كأس العالم في كرة القدم هو السبب). إذ باستثناء تظاهرات محدودة نسبيا خرجت في السودان ومصر، فان الشارع العربي ظل على حاله، ساكنا وذاهلا.والأمر كذلك، فلعلي لا أبالغ إذا قلت ان العالم العربي ضبط متلبسا بارتكاب فعل سياسي فاضح أمام الملأ، وهو أمر مشين يورث الشعور بالخزي، فضلا عن الحيرة واليأس من أنظمته القائمة التي عجزت حتى عن إدانة الجريمة الاسرائيلية.

وإذا اعترفنا ببؤس الأوضاع العربية وانهيار أنظمتها، فما عذر دول العالم المتحضر التي تواطأت بدورها على التستر على الجريمة، وتعاملت مع حملة الابادة الحاصلة في القطاع والضفة، بحسبانها شيئا عاديا لا يؤرق ضميرا، ولا يستثير غيرة، ولا يستحق إدانة أو رفضا. نعم، ينبغي ألا نتوقع من الآخرين أن يدافعوا عن حقوقنا أو كرامتنا التي تخاذلنا عن الدفاع عنها. لكن ذلك لا ينسينا ان الضمير العام في تلك المجتمعات الذي استثاره الحاصل في دارفور، واهتز لما جرى في رواندا. قد أصيب بالسكتة غير البريئة حين تعلق الأمر بالعرب والمسلمين (من فلسطين الى شيشنيا).لا لوم على الأمم المتحدة ومنظماتها التي عجزت عن إدانة ما يجرى، إذ طالما انها تحت السيطرة الامريكية الموغلة في التآمر على الشعب الفلسطيني والتواطؤ مع الاسرائيليين، فلا أمل في إنصاف يصدر عنها. لكن ذلك ينبغي ألا يبرئ ساحتها، وإنما يضعها في قلب مشهد العار، باعتبار ان تلك المنظمات خانت مبادئها، تماما كما فعلت الادارة الامريكية، وسكتت أو انحازت بشكل سافر الى سياسة تركيع الفلسطينيين وإبادتهم.ان مشاهد العار تطل علينا من كل صوب ـ يا ويلاه


ملوك العرب الجدد

هذا الفيلم شاهدته من قبل أكثر من مرة، كان ذلك أول تعليق جرى على لساني حين علمت بخبر عودة الرئيس اليمني علي عبد الله صالح عن قراره الذي أعلنه قبل عام بعدم ترشيح نفسه للرئاسة، بعدما أمضى 28 عاماً في منصبه، ذلك أننا في العالم العربي ـ وباستثناء حالة لبنان ونموذج المشير سوار الذهب في السودان ـ لم نعرف خلال نصف القرن الأخير رئيساً للجمهورية غادر منصبه طواعية، فهو إما تخلى عنه بانقلاب، أو بالوفاة. أما فيما عدا ذلك فإن جميعهم ـ حماهم الله ـ ظلوا في مقاعدهم لم يغادروها، بناء على رغبة الجماهير بطبيعة الحال، وكله بالقانون، فإذا كان لا يحدد مدة لتولي رئاسة الدولة، فلا مشكلة، وإذا حدد الدستور تلك المدة فإن تعديله ـ بإرادة الشعب واستجابة لرغبته! ـ ممكن، إذ للشعب في هذه الحالة كلمته التي لا ترد وقراره غير قابل للطعن أو النقض، ولئن كانت للدستور قدسيته باعتباره «أبو القوانين» فإن قرار الشعب له قدسية أكبر باعتباره مصدر السلطات، ومن ثم فهو منبع القوانين، أو «حدها» إذا كان لا بد من إثبات النسب في هذه الحالة.

في الفيلم الذي حفظناه ومللنا مشاهده، لكثرة تكرارها، تلعب الأبواق دوراً جوهرياً، إذ حين تقترب نهاية ولاية الرئيس تسرب التصريحات التي تتحدث عن أنه تحمل الكثير كي يوفر للشعب الاستقرار والرخاء (لا أحد بالطبع يجرؤ على السؤال: أين هما؟)، وحرم نفسه من دفء الأسرة والحياة الاجتماعية المريحة، و............ كل ما يتمتع به الناس من متع في الدنيا، لأن الأقدار اختارته كي يخدم الجماهير، فامتثل لحكمة القدر ونذر نفسه ووهب حياته لأجل تلك الجماهير، وبعد أن حمل الرسالة وأدى الأمانة، فقد آن له أن يستريح، وأن يعطي الفرصة لغيره (ابنه في الأغلب).

ذلك هو الجزء الأول من الفيلم، الذي ما أن تنتهي مشاهده حتى تبدأ أحداث الجزء الثاني الذي تنهض البطانة بالمسؤولية فيه، ويتراجع دور الأبواق خطوة إلى الوراء، في حين تظل على المسرح لا تغادره. في هذا الجزء تتولى البطانة تحريك الجماهير ودفع مؤسسات المجتمع المختلفة للتعبير عن وفائها للزعيم الذي كرس نفسه لخدمتها والسهر على راحتها، وذلك بالإلحاح عليه أن يبقى في موقعه، لكي يتم رسالته، ويظل ممسكاً بميزان الاستقرار ومحققاً لحلم الرخاء الموعود، وإلا فإن غيابه سيفتح الباب للفوضى، وستبدد أحلام الرخاء، ولن تطلع على البلد شمس مرة أخرى، وفي هذه الحالة فإن الجماهير، رداً للجميل وتأكيداً للوفاء، لا بد أن تخرج إلى الشارع بعد أن تتوافد على العاصمة من كل حدب وصوب (محمولة على حافلات مرتبة سلفاً)، لكي تحمل لافتات الإلحاح على البقاء، وتهتف ـ بالروح بالدم ـ راجية الربان أن يظل باقياً في موقع القيادة، حتى لا تضطرب مسيرة السفينة وسط الأمواج والأنواء العاتية، الأمر الذي يعرضها للغرق المحقق، وفي هذه الحالة فإن الحشود لا تتردد في أن تؤكد على أنها ضد التغيير، وضد تداول السلطة، وإنما هي مع تأبيد البقاء على رأس السلطة، حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا.

هذه التظاهرات الحاشدة لا ينبغي أن تملأ الشوارع فحسب، وإنما لإحكام إخراج المشهد، يجب أن تغطى عبر وسائل الإعلام المختلفة، في الصحف والإذاعة وخصوصاً التلفزيون، حتى يعلم القاصي والداني مدى تمسك الجماهير برئيسها المحبوب، ومدى نفورها من أي تغيير، خصوصاً ذلك العنوان البغيض المسمى «تداول السلطة»، باعتبار أن صلاح الأمر كله لا يتم إلا بتأبيدها.

في هذه الحالة، ما الذي يتعين على أي رئيس مخلص لشعبه أن يفعله، وهو يرى بعينيه الحشود المليونية التي تملأ الشوارع، ويسمع بأذنيه هتافاتها التي تشق عنان السماء راجية منه أن يبقى في موقعه، وألا يدع السفينة تغرق وهي في عرض البحر؟ هنا يأتي دور الجزء الثالث من الفيلم، وفيه يظهر الزعيم أمام الحشود وقد بدا عليه الحرج والتأثر مما رأى وسمع، ليعلن على الملأ أنه كان قد عزم على الرحيل، وحزم أمره بالفعل، ليس فقط كي يستريح من عناء التفاني في خدمة الشعب، ولكن أيضاً لكي يعطي لغيره فرصة تولي القيادة، إعمالاً لمبادئ الديمقراطية التي أرسى قواعدها، وسيظل حريصاً عليها حتى آخر رمق، ولكن إزاء إلحاح الجماهير واستجابة لضغوطها، ولأنه جندي وهب حياته لخدمة الشعب، ولأنه عاهد الله ألا يرد للشعب كلمة ولا يخيب له أملاً، ولا يتخلى عنه أبداً، ورغم أنه كان متمسكاً بقراره، وكدأبه حريصاً على ألا تنزل كلمته إلى الأرض، فإنه في هذه المرة ـ وفي هذه المرة وحدها ولأجل خاطر الشعب الذي يعتصره القلق ـ قرر أن يضحي براحته التي تمناها، وأن يرجع في العهد الذي قطعه على نفسه، وأن يغير من موقفه الذي كان مصراً عليه، ولأنه لا يملك في نهاية المطاف سوى أن يمتثل لإرادة الجماهير الملتاعة، وأن يستجيب لرغبتها، فقد قرر أن يرشح نفسه للرئاسة التالية.الجزء الرابع من الفيلم لا يحتاج إلى وصف أو تفصيل، لأنه سيتضمن مشاهد الفرحة التي تعم البلاد من جراء انتصار الإرادة الشعبية، الرافضة للتغيير والتداول، وهو ما تعده البطانة انتصاراً تاريخياً يكرس المسيرة الديمقراطية ويضرب حلم الرخاء.

للدقة والإنصاف، فمثل هذه الأفلام في العالم العربي لم تتخل عن «التعددية»، واحترمت الخصوصية الثقافية لكل مجتمع، آية ذلك أن إخراج الفيلم اختلف من بلد إلى آخر، وأن البطانة سجلت تلك التعددية بنجاح ملحوظ، فالذي يجري الآن في الجزائر، يختلف عما جرى في تونس، والتجربتان اختلفتا عن الحاصل في ليبيا، وذلك كله لا صلة له ـ في الإخراج ـ بما جرى في مصر وسوريا واليمن، وإن ظل جوهر الفيلم واحدا، إذ كما يحدث في الأفلام العربية التقليدية، حيث ينتهي الأمر بزواج البطل من البطلة، فإن فيلم «التمديد» أصبحت له بدوره نهاية تقليدية، ينعقد في ظله الزواج بين الزعيم والسلطة، وهو في هذه الحالة زواج كاثوليكي لا ينفصم، وليس زواجاً إسلامياً يحتمل التعدد!

الخلاصة التي يمكن أن نخرج بها من الفيلم تتمثل فيما يلي:إن موضوع الديمقراطية في العالم العربي ليس مأخوذاً على محمل الجد، رغم بعض الممارسات المتواضعة التي تشكل استثناء عن القاعدة، بالأخص في أقطار مثل المغرب ولبنان والكويت، وبدرجة ما الأردن، وفي كل الأحوال فإن حظوظنا من الديمقراطية لم تتجاوز الهياكل والأشكال (الديكور إن شئت الدقة)، أما الوظائف في الديمقراطية المتمثلة في حقوق المشاركة والمساءلة والتداول، فنحن نسمع بها فقط ولا نراها، مثل الغول والعنقاء والخل الوفي!

إن البنية السياسية والمدنية لمجتمعاتنا بالغة الضعف والهشاشة، فالأحزاب مصابة بالإعاقة، ومنظمات المجتمع المدني، التي يمول أكثرها من الخارج، ليست مشغولة بالإصلاح السياسي الحقيقي، والنقابات العمالية والمهنية إما مصادرة أو معطلة الوظيفة، ورغم وجود استثناءات محدودة على ذلك، فقد أصبح الأصل أنه لا يوجد في العالم العربي رأي عام قوي يستطيع أن يفرض نفسه على السلطة، أو حتى يلقى تقديرها واحترامها.

إن احتكار السلطة لسنوات طويلة خلق طبقات كاملة مستفيدة من ذلك الوضع، ومتمسكة باستمراره، لذلك فإنه إذا كان القادة هم أبطال فيلم «التمديد»، إلا أننا ينبغي ألا نتجاهل دور تلك الطبقات الانتهازية المستفيدة من عملية التمديد، والتي تمثل «الكومبارس» النشيط في الفيلم.إن التجربة أثبتت أن الكلام الذي تسوقه الولايات المتحدة عن «دمقرطة» المنطقة هو من قبيل الدعاية والنفاق الدولي، كما أثبتت أن ما يشغل الإدارة الأميركية حقاً، ليس ما إذا كان النظام ديمقراطياً أم لا، ولكنه بالدقة ما إذا كان النظام موالياً أم لا، وإذا كان الرد بالإيجاب في هذه الحالة، فلتطلق يد كل نظام في شعبه، ولتذهب الديمقراطية إلى الجحيم.

الملاحظة الأخيرة، الجديرة بالتوقف أمامها طويلاً، هي أن كل النظم الملكية التي تحولت في الستينيات إلى جمهوريات «تقدمية»، بفعل الثورات والانقلابات، عادت إلى سيرتها الأولى (وأحياناً أسوأ)، إذ تحولت بلا استثناء إلى ملكيات مقنعة، فاحتفظت من حيث الشكل برنين كلمة الجمهورية، ومارست في العقل ديمومة الملكية، من ثم فإنها أقامت أنظمة وصفها البعض بأنها «جملوكية»، من ناحيتي فإنني لا أتردد في القول إن الرؤساء المؤبدين هم ملوك العرب الجدد الذين صرنا نقبلهم كما هم ـ حتى إشعار آخر على الأقل ـ وخفضنا في وجودهم من سقف أحلامنا، حتى أصبح غاية ما نتمناه أن يقيموا في بلادنا ملكيات دستورية، وأخشى ما أخشاه ـ في ظل استمرار هشاشة مجتمعاتنا وضعفها ـ أن نجد أنفسنا في نهاية المطاف وقد خسرنا ميزات الاثنين، الملكية والجمهورية، فلا فزنا لا ببلح الشام ولا بعنب اليمن


انعقاد القمة العربية واجب الوقت

إذا لم تنعقد القمة العربية الآن، فمتى تنعقد إذن؟ هذا السؤال كان أول ما تبادر إلى ذهني حين وجدت أصواتا عدة لا ترى مبررا للدعوة إلى انعقاد القمة العربية في الوقت الراهن، ولاحظت أن من بين القادة العرب من فقد حماسه للفكرة، في حين أن ثمة وجهة نظر أخرى ترى في عقد القمة الآن واجبا يكاد يرتقي إلى مرتبة الفريضة القومية، ولأنني واحد من هؤلاء فإنني استأذن في أن أبسط هنا الحجج التي تساند هذا الرأي الأخير.قبل أن أسوق تلك الحجج فإنني لا أخفي استغرابا لقول القائلين بأن انعقاد القمة إما أن يكون هدفه إعلان الحرب على إسرائيل، أو أن يصبح فرصة للمزايدات السياسية وهذان الاحتمالان لم يردا في ذهني، لأنني أرى أن هناك خيارات أخرى أمام القمة المرجوة، هو أن يتحاور القادة العرب في مجمل الظروف التي تحيط بالأمة الآن وأن يتفقوا على رؤية مشتركة لكيفية التعامل مع تلك الظروف، باعتبار أن ما يحيط بنا ليس شأنا يهم قطرا بذاته، وإنما هو يتعلق بالمصير العربي كله، ومن يتصور أنه ناج من الطوفان الآتي، الذي تلوح نذره على البعد، فهو جد واهم.وأيا كان رأينا في نتائج اجتماع وزراء الخارجية العرب، الذي لم يتحدث عن الحرب، وتعددت فيه وجهات النظر، لكننا لم نسمع أنه تحول إلى مسرح للمزايدات السياسية فإنني لا أتصور أن ما فعله الوزراء يستعصى على القمة أن تسير على نهجه.وهي مفارقة لا ريب، أن تكون التطورات المثيرة الحاصلة في المنطقة موضوعا للمناقشة في قمة الدول الصناعية الكبرى الثماني (التي انعقدت في سان بطرسبورج بروسيا) في حين لا تطرح تلك التطورات على القمة العربية، وأن يوفد الأولون مبعوثا إلى بيروت لعرض وجهة نظر أولئك القادة (التي تبنت الموقف الإسرائيلي) بينما لا نكاد نلمح أثرا لتحرك عربي على مسرح الأزمة. إذا عدت إلى موجبات عقد القمة العربية فإنني أوجزها في النقاط التالية:

أولاً: ليس خافيا أن العالم العربي أصبح مسرحا لاستباحة غير مسبوقة تكاد تذكرنا بهجوم التتار على بغداد، الذي أهلك الحرث والنسل، ولم يبق فيها على شيء باستثناء الجيف المتعفنة والحيوانات الضالة. وهو ما عد صفحة سوداء ووصمة عار في تاريخ البشرية، هذه الاستباحة بلغت ذروتها القصوى في فلسطين المحتلة ولبنان والعراق. وهي المناطق التي تتعرض لصنوف مختلفة من القهر والتدمير والتفتيت، تهدر فيها كرامة الإنسان ويخرب العمران، وتدمر فيها المجتمعات والأوطان. ولا أتصور أن يحدث ذلك الهول كله على أرض الواقع، ونرى فيه رأي العين نذر تقويض البنيان العربي وتهديد أمن الأمة، وإبادة الشعوب والدول، ثم يقف منه القادة العرب موقف المحايد أو المتفرج، في حين أن ثمة عهودا وتوافقات عربية منه، تفرض على الأنظمة العربية استحقاقات بذاتها في مواجهة طارئ من هذا القبيل، لها حدها الأقصى المتمثل في معاهدة الدفاع المشترك وحدها الأدنى الذي يوجب التعبير عن التضامن ويستدعي تقديم الدعم من خلال القمم التشاورية.

لسنا في مقام استدعاء شواهد التاريخ، ومنها قصة المرأة التي صرخت ذات يوم قائلة وا اسلاماه فتحركت جيوش المسلمين لنصرتها واستنقاذها، ذلك أننا في موقف أكبر بكثير وأخطر، فثمة نداءات وصرخات تصم الآذان، تطلقها شعوب بأكملها بمختلف مفردات ومصطلحات الاستغاثة واستدعاء العون، ولا بد أن يكون لتلك النداءات صداها، في محيط الأمة التي يفترض أنها كما الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى، كما يقول الحديث النبوي، ليس ذلك فحسب، وإنما ذلك الذي يجري في فلسطين ولبنان والعراق، يظل نموذجا قابلا للتكرار في أي قطر عربي آخر، يرفض الانصياع ويتحدى قوى الهيمنة ومخططاتها الشريرة.

والأمر كذلك، فإننا لا نتحدث فقط عن نعرة نابعة من مقتضيات الشهامة أو الدفاع عن كرامة الإنسان وشرفه، وإنما نتحدث أيضا عن تحسب للدفاع عن النفس، يتوسل بالتضامن والدعم حتى لا ينطبق علينا قول «أكلت يوم أكل الثور الأبيض».

ثانيا: إن ثمة تطورا مهما في الخطاب السياسي العربي حدث في الآونة الأخيرة يتمثل في إعلان الأمين العام لجامعة الدول العربية السيد عمرو موسى، أن عملية السلام ماتت وفشلت وأن العرب خدعوا وضحك عليهم في تلك العملية. وهو اعتراف خطير ومثير رغم انه جاء متأخرا لأن هذا الكلام ردده من قبل قطاع عريض من المحللين والسياسيين العرب والغربيين لكن وجه الخطورة والإثارة فيه يكمن في انه صدر عن الأمين العام للجامعة العربية الأمر الذي يعد إشهارا رسمياً لفشل التعاطي مع الملف الفلسطيني من خلال اتفاقات السلام أو خطط إحلاله التي رعتها الدول الغربية في الولايات المتحدة إلى الرباعية الأوروبية وهذا الإشهار يستدعي سؤالا مهما للغاية هو:

ما العمل إذن؟

صحيح أن اجتماع مجلس وزراء العرب قرر إعادة الملف إلى مجلس الأمن الا ان ذلك لا يوفر الإجابة العربية عن السؤال وأحسب ان مناقشة تلك الإجابة المنشودة كان لها ان تتم في إطار اجتماعات وزراء الخارجية العرب أما القرار أو القرارات الخاصة بها فان القمة العربية وحدها هي الجهة المنوط بها إصدارها إذ لا أتصور أن يصدر إعلان من ذلك القبيل عن الأمين العام للجامعة العربية ثم يترك مصير الملف الفلسطيني معلقا في الهواء لتستبيحه وتنفرد به إسرائيل ومن ورائها الولايات المتحدة.

ثالثا: بات واضحا لكل ذي عينين ان القرار الدولي اصبح قرارا صهيونيا بالأساس الامر الذي يعني مباشرة انه يمثل تحديا خطيرا للإرادة والمصير العربيين ذلك ان سيطرة المحافظين الجدد المتحالفين مع اسرائيل على القرار السياسي في الولايات المتحدة أدت بدرجة ما الى نقل مركز الثقل في القرار الامريكي الى ايدي «اللوبي» الصهيوني في الولايات المتحدة ومعهم، من قبلهم ـ ان شئت الدقة ـ حكومة تل أبيب. بسبب من ذلك فان الموقف الاسرائيلي ازاء ايه قضية من فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية الى اسر الجنود الاسرائيليين في فلسطين ولبنان اصبح يتبنى بسرعة من قبل الحكومة الامريكية التي تفرضه على الرباعية الدولية ثم على مجلس الأمن والجمعية العامة، بالتالي فانه يصبح خلال فترة وجيزة تعبيرا عن الارادة الدولية في حين انه في الاصل تعبير عن المصالح الاسرائيلية وهذا التطور اضعف كثيرا من رصيد الثقة والاحترام بل وجهة النظر العربية على الاقل للامم المتحدة واغلب منظماتها بعدما تحولت بشكل فاضح ومكشوف الى ألعوبة في يد اسرائيل بالدرجة الاولى وهذا الوضع يستدعي مجددا السؤال: ما العمل وما هي الاستراتيجية العربية التي يتعين الالتزام بها في مواجهة هذا التطور والإجابة عن سؤال من هذا القبيل يفترض الا تتأتى إلا من خلال انعقاد القمة العربية.

رابعا: يعلم الجميع ان مشروع الشرق الاوسط الكبير الذي طرحته وتبنته الولايات المتحدة يهدف بين ما يهدف الى تذويب الهوية العربية في اطاره وصولا الى ادماج اسرائيل في خرائط المنطقة وإلحاق الجميع بمخططات السياسة الامريكية وهذا كلام ليس جديدا، لكن الجديد فيه ان الولايات المتحدة اناطت مهمة تفعيل المشروع بالحكومة التركية التي وقع وزير خارجيتها عبد الله جول اتفاقا بهذا الخصوص في واشنطون الاسبوع الماضي وهو ما يعني ان المرحلة المقبلة يفترض ان تشهد تحركا في ذلك الاتجاه وليس مستبعدا ان تكون الحملة الاسرائيلية الشرسة على لبنان التي استهدفت القضاء على حزب الله وتجريده من سلاحه تمهيدا لدخول الجيش اللبناني الى الجنوب بدعوى بسط سيطرة الحكومة اللبنانية على كافة اراضيها، هذه الحملة من بين اهدافها فتح الطريق وتمهيده امام تنفيذ مشروع الشرق الاوسط وازالة العقبات التي تعترض طريقه وهذا التحليل اذا صح فانه يطرح اسئلة اضافية لا يُرد عليها إلا من القمة العربية.

خامسا: لا يخفى على احد ان الفجوة تزداد اتساعا بين الانظمة والشعوب العربية خصوصا في الآونة الاخيرة وهذا الوضع ليس في صالح استقرار العالم العربي يقينا، وليس سرا ان الشارع العربي في الوقت الراهن يحفل بالهواجس والشكوك التي عمقت من ازمة الثقة في الانظمة العربية حتى بدا وكأن الحكومات تقف في جانب بينما الشعوب تقف في جانب آخر رغم ان الجميع نظريا على الاقل في خندق واحد. بكلام آخر فنحن أحوج ما نكون في الوقت الراهن الى تضييق تلك الفجوة واستعادة الثقة المفترضة بين الجانبين وذلك لا يتأتى الا من خلال موقف رصين وشريف تعبر عنه القمة العربية فهل يتحقق الامل وتكون القمة عند حسن ظن القاعدة ارجو ذلك.



هل يستطيع العربُ
 أن يقولوا الآن «لا»؟

أحد الأسئلة المهمة التي تطرح نفسها الآن بقوة السؤال التالي: هل يستثمر العرب سياسيا التغيرات التي شهدتها ساحة المواجهة في لبنان خلال الأيام الأخيرة؟

قبل محاولة الإجابة عن السؤال، فإنني ألفت الانتباه إلى أن تلك المتغيرات أعمق مما يتصور كثيرون، وإنها شملت الوجدان العربي والإسلامي من ناحية، كما استدعت حقائق جديدة إلى ارض الواقع.التقيت قبل عدة أيام ربة بيت من قريباتي عرفتُ عنها استغراقها في شؤون بيتها وأبنائها، وانفصالها عن الشأن العام، والشأن السياسي منه بوجه أخص. وهذه المرة فوجئت بها تقول إنها بعد أن أدت صلاة الفجر ظلت تدعو الله أن يحفظ السيد حسن نصر الله، وان ينصر حزب الله في معركته ضد إسرائيل.وأضافت أن الدموع انهمرت من عينيها بدون وعي منها حين قالت لها إحدى الجارات إنه أصيب بسوء جراء القصف الإسرائيلي. وحين سمعت من التلفزيون انه سيلقي كلمةً، فإنها انتظرت الى ما بعد منتصف الليل، ولم تنم حتى شاهدته بعينيها الدامعتين، واستشعرت فرحة غامرة حين وجدته معافى، الأمر الذي طير النوم من عينيها فظلت يقظة حتى أذان الفجر.هذه ليست حالة خاصة، وإنما ازعم أنها تترجم الروح الجديدة التي سرت في الشارع العربي، الذي يعشش فيه اليأس منذ سنوات مقترنا بشعور بالانكسار والمهانة، جراء تلاحق مشاهد التراخي والتفريط والانصياع في العالم العربي، في مواجهة التغول والعربدة الإسرائيلية، التي تتم من خلال الدعم الأمريكي المستمر.والأمر كذلك، فلعلي لا أبالغ إذا قلت إن الروح الجديدة التي سرت في الشارع العربي تداخلت فيه مشاعر الثقة مع الأمل والكرامة مع شيء من رد الاعتبار.

أما الحقائق التي أبرزتها تجربة الأيام الأخيرة؛ ففي مقدمتها ثلاث هي:

* إن إسرائيل فشلت في تحقيق الهدف الأساسي من العدوان الذي شنته وهو القضاء على حزب الله وتدمير قوته، وهو الفشل الذي لم تعد وقائعه بحاجة إلى إثبات بعدما ذاع أمره، واصبح مثار دهشة كل المعلقين المحايدين، وهم الذين كانوا واثقين ومطمئنين تماما إلى أن إسرائيل سوف تكتسح المقاومة وتهدم كل ما بنته، ورغم أن الحرب لم تنته بعد، إلا أنه مضت ثلاثة أسابيع، بدون أن تحقق إسرائيل هدفها بل أن الإسرائيليين في شمال البلاد ما زالوا في المخابئ، ذلك وحده كاف في التدليل على أن الانتصار لم يتحقق وانه لم يعد مضمونا ولا مفروغا منه، الأمر الذي اسقط مباشرة فكرة الجيش الذي لا يُقهر. وأهم من ذلك واخطر انه ضرب جوهر المشروع الصهيوني الذي استقدم الآلاف من كل صوب لكي يعيشوا في أمان فوق البقعة التي اخترعوا لها اسم ارض إسرائيل. وبعد اكثر من خمسين عاما على إقامة الدولة، فان الأمن الموعود لم يتحقق.

* الحقيقة الثانية أن مقاومة حزب الله لم تصمد فقط أمام الهجوم الإسرائيلي المدجج بكل ما في ترسانة السلاح الأمريكي من أدوات التدمير والفتك، وإنما أيضا وجهت ضربات إلى وحدات «الكوماندوز» العسكرية الإسرائيلية التي طالما تباهوا بها ولم يجد الإسرائيليون بدا من الاعتراف بخسائرهم الفادحة في المعارك التي دارت وليس أدل على قوة وفاعلية تلك الضربات من مسارعة الولايات المتحدة مع حليفتها هل نقول تابعتها؟ بريطانيا إلى التحرك للمطالبة بوقف إطلاق النار، بعدما ظلت التصريحات الرسمية الأمريكية تردد طول الوقت أن وقت وقف إطلاق النار لم يحن بعد. وبعد أن ذهبت وزيرة الخارجية الأمريكية إلى مؤتمر «آسيان»، وهي تردد انه ليس لديها خطط قريبة للعودة إلى العالم العربي، في ظل السعي الأمريكي المكشوف لإعطاء إسرائيل أطول فرصة ممكنة لتحقيق أي إنجاز على الأرض، بعد أن كان المشهد على ذلك النحو، فان السيدة «كوندي» تلقت تعليمات مفاجئة للقدوم إلى الشرق الأوسط خلال 24 ساعة للحديث عن «صفقة» وقف إطلاق النار.

* نعم نجحت إسرائيل في إشاعة الموت والخراب في أنحاء لبنان لكنها لم تنجح في تدمير حزب الله لذلك صدق فيها قول من قال إنها أنجزت الكثير ربما على صعيد البربرية والهمجية لكنها لم تحقق الانتصار العسكري الذي تنشده ولأن الفشل كان نصيبها في المواجهة العسكرية فان «الكفلاء» ـ أمريكيين وبريطانيين ـ سارعوا إلى استنقاذها وحفظ ماء وجهها، حين دعوا إلى حلول سياسية تتزامن مع وقف إطلاق النار.

* والحقيقة الثالثة أن الولايات المتحدة في هذه الحرب كانت شريكا أصيلا منذ اللحظة الأولى، وهو ما تجلى في معارضتها المبكرة لأي وقف لإطلاق النار لإعطاء الإسرائيليين المزيد من الوقت لمواصلة الاجتياح والتدمير والقتل، كما تجلى في تبنيها الكامل للمطالب الإسرائيلية في كل محفل دولي، وتجلى أيضا في مسارعة واشنطون إلى تزويد إسرائيل بالقنابل التي يسمونها ذكية، أملا منها في أن تستخدم تلك القنابل في دك تحصينات حزب الله وإلحاق الهزيمة برجاله.

* لقد كانت مذبحة قانا الثانية تجسيدا لما بلغه الإجرام الإسرائيلي والتواطؤ الأمريكي، الأمر الذي كان لابد معه أن يصعد لبنان من موقفه ويرفع سقف اشتراطاته، وأحسب أن الروح الجديدة التي سرت في المنطقة شجعت الحكومة اللبنانية على رفض استقبال وزيرة الخارجية الأمريكية، والإعلان عن أنها لن تقبل بأي مباحثات حول الوضع إلا بعد وقف إطلاق النار وإجراء تحقيق دولي في الجريمة البشعة التي ارتكبها الإسرائيليون. الأجواء ذاتها دفعت رئيس البرلمان السيد نبيه بري إلى الإعلان أن الأفكار التي أطلقها في سياق حديثه عن الوساطة في تبادل الأسرى، لم تعد قائمة الآن لأن الموقف تغير بعد مذبحة قانا.

* موقف الحكومة اللبنانية في هذا الشق كان طبيعيا، الأمر الذي يستدعي السؤال الذي طرحته في البداية عن استثمار الدول العربية لتلك المتغيرات التي شهدها لبنان. لا يقولنَّ أحد أن العرب بعيدون عن تلك المواجهة، لان المشكلة لبنانية بالأساس وهو الادعاء الذي نتوقعه من «المارينز» العرب والذي يعبر في الحد الأدنى عن التسطيح والجهل، وكل منهما يصب في وعاء التستر والتواطؤ ليس فقط لان إسرائيل المتوحشة تظل تهديدا مباشرا للأمن القومي العربي، ولكن أيضا لان الأمريكيين يريدون استثمار تلك المواجهة في مشروعهم للشرق الأوسط الجديد، الذي نحن جزء منه، رضينا أم كرهنا، بالتالي فنحن جزء من «الطبخة» الجديدة التي يفترض أن تتم أو هكذا تمنوا في ضوء تقديرهم للهزيمة العربية التي توقعوها والتي حسبوا أن العرب بعدها سيطرقون أبواب الأمريكيين وهم راكعون ومنكسرون.

* هل بوسع العرب أن يقولوا الآن «لا» للولايات المتحدة وإسرائيل؟ ألا يحق لهم أن يعلنوا رفضهم لاستقبال السيدة رايس، ولفكرة الشرق الأوسط الجديد؟ وهل يقبل من أحد منهم الآن أن يتحدث عن خريطة الطريق، خصوصا بعدما أعلن الأمين العام لجامعة الدول العربية أن عملية السلام ماتت، وان العرب في هذه العملية خدعوا وانضحك عليهم ؟ ثم ـ ألا يحق لنا أيضا أن نعيد النظر في «المبادرة العربية» فنطورها وننص فيها ـ مثلا على حق عودة اللاجئين إلى أراضيهم إلى جانب انسحاب إسرائيلي من كافة الأراضي التي احتلتها عام 67؟

ادري أنني لست افضل مما يجيب عن السؤال: كيف يستثمر العرب المشهد، وأحسب أن هناك من هو افضل مني واقدر على تلك الإجابة، لكن غاية ما تمنيته أن يكون ردنا بالإيجاب عن السؤال «هل يستثمرون؟»، مدركا أن ذلك الرد له شرط واحد هو توافر الإرادة لدى أصحاب القرار، لأنه في غيبة تلك الإرادة، فان كل ما قلته سيظل نفخا في قِربةٍ مقطوعةٍ وجرياً وراء سراب خداع، وعندئذ سينبهنا ذلك إلى أن مشكلتنا أبعدُ وأعمقُ من الاحتلال الإسرائيلي.

الشرق الأوسط الجديد الذي لم تحلم به السيدة كوندي!

إن السياسات التي تتبعها الحكومة البريطانية في لبنان والعراق تعد بمثابة المتفجرات التي تقدم إلى المتطرفين.. الأمر الذي يضع المدنيين البريطانيين في وجه الخطر، سواء كانوا داخل بريطانيا أو في أي مكان آخر. هذه الكلمات ليست من عندي، لكنها منقولة عن خطاب مفتوح إلى رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، نشرته الصحف اللندنية في 12/8 الحالي، وموجه من 38 جماعة ومنظمة إسلامية في المملكة المتحدة، على رأسها مجلس مسلمي بريطانيا، ومن بين الذين وقعوا على الخطاب ثلاثة من المسلمين في البرلمان البريطاني وستة من أعضاء حزب العمال الحاكم.هذا الخطاب نشر بعد يومين من إعلان السلطات البريطانية عن اكتشاف مخطط إرهابي لتفجير بعض الطائرات المتجهة إلى الولايات المتحدة، وإلقاء القبض على 24 شخصا اتهموا بالضلوع في العملية التي وصفت بأنها اكبر من المخطط الذي تم تنفيذه في 11 سبتمبر وتوقيت الإعلان عن المخطط المذكور في 10/8 ثم نشر الخطاب المفتوح في 12/8 لها عندي مغزى آخر، هو أن ذلك تم في أعقاب نشر مقالتي بـ«الشرق الأوسط» في9/8 التي كان عنوانها: إذا اعتبر حزب الله هو المشكلة، فقد تصبح القاعدة هي الحل. وفيه حذرت من استمرار الانحياز إلى إسرائيل من جانب الدول الكبرى وفي انسداد الأفق السياسي في العالم العربي وقلت ما نصه إن ذلك «من شأنه أن يشيع درجة من اليأس، توفر ظرفا مواتيا لانتشار فكر القاعدة، الذي يرفع شعار «العنف والسلاح هو الحل». وهو المعنى الذي اجتذب خطاب الجالية المسلمة في بريطانيا التي اعتبرت سياسة توني بلير في الشرق الأوسط التي أصبحت تابعة وملحقة بالسياسة الأمريكية، تعد بمثابة المتفجرات التي يتم تقديمها إلى المتطرفين الذين يهددون حياة المدنيين في بريطانيا.في موقف من هذا القبيل، فان المرء لا يسعده بحال ان يقول كلاما يطرح فيه تصورا للمستقبل، ثم يكتشف أن نبوءته قد تحققت في اليوم التالي أو في بعض الأحيان يتمنى المرء أن تكذب الأحداث نبوءته كما في الحالة التي نحن بصددها لكن ما جرى قد جرى على أي حال وما يهمنا أن الأصداء التي توقعتها أنا وغيري لم تكن ضربا من الخيال، وإنما هي بمثابة قراءة للواقع أثبتت الأيام صحتها، ولعلي لا أبالغ إذا قلت أن احتلال العراق إذاً قد استدعى تنظيم القاعدة إلى هناك، فان نتائج اخطر وابعد مدى يمكن أن تترتب على الفحش الإسرائيلي الحاصل في غزة ولبنان، والفحش الأمريكي المتمثل في مساندة الإسرائيليين والعمل على تمكين جرائمهم من أن تحقق أهدافها.ما اعنيه على وجه التحديد هو أن هذه الممارسات من شأنها أن تعمم فكر القاعدة في العالم العربي والإسلامي، وتحوله من نهج يلتزم به تنظيم بذاته إلى اقتناع سائد بين الجماهير العربية والإسلامية، وإذا لاحظت أن المتهمين في مخطط الطائرات الذي تم الكشف عنه في بريطانيا، كلهم من غير العرب، على العكس تماما مما حدث في 11 سبتمبر فقد تجد في هذه المعلومة ما يؤيد الفكرة التي ادعيها.

هل تكون هذه من سمات الشرق الأوسط الجديد؟

لا أتردد في القول بأن دائرة العنف مرشحة بقوة للاتساع في العالم العربي والإسلامي، وليس في الشرق الأوسط فقط، ذلك اننا مقبلون على مرحلة يتوقع أن تتزايد فيها درجة الفحش خصوصا في لبنان والأراضي المحتلة في فلسطين، فإسرائيل ستحاول أن تحقق من خلال الضغوط السياسية والتآمر الدولي ما عجزت عن تحقيقه من خلال العمليات العسكرية وهي لن تكون وحدها بطبيعة الحال، ولكن ستكون وراءها ـ وربما أمامها ـ الولايات المتحدة، سيظل مطلوبا وبإلحاح ليس فقط قمع المقاومة التي خرجت من المواجهة مرفوعة الرأس وإنما أيضا اجتثاث جذورها لكي تصبح أمثولة، تردع أي فصيل في العالم العربي والإسلامي يجرؤ على أن يقول لا لمخططات الهيمنة والتوسع والتركيع، ولسياسات المهانة والإذلال.ان ثمة اتفاقا بين اغلب المحللين والمعلقين على أن مؤشر العنف في صعود وان السياسات الإسرائيلية والغربية توفر افضل مناخ لاستمرار ذلك الصعود من ثم فان شعار الحرب على الإرهاب الذي رفعته الولايات المتحدة وما استصحبه من إجراءات غبية وسياسات شريرة، اصبح اكبر مصدر لتفريخ الإرهاب وتوسيع نطاقه.وكذلك فنحن نتفق تماما مع السيدة كوندليزا رايس في حديثها عن مخاض الشرق الأوسط الجديد الذي يوشك أن يولد في المنطقة الآن، لكنني اقطع بأنه لن يكون منكسرا ومطواعا ومنبطحا كما يراد له، بل سيكون شوكة في حلق المتكبرين والمتغطرسين والظلمة وسفاكي الدماء. وإذا جاز لي أن احدد بعضا من الملامح المرشحة لتشكل قسمات ذلك الشرق الأوسط الجديد فإنني أوجزها فيما يلي:

قلنا إن العنف سيكون إحدى سماته الأساسية، وهو لن يكون موجها ضد الإسرائيليين والأمريكيين وحدهم، ولكنه سيمتد لكي يشمل أعوانهم والمتواطئين معهم، وكل من عاونهم على محاولة إذلال العالم العربي.

وسأكتفي بما ذكرته من حيثيات في هذا الصدد، وبالتالي فلن أزيد على ما قلته إزاء الوقوف الأمريكي والغربي السافر إلى جانب العدوان الإسرائيلي والإصرار على تمكين الإسرائيليين من قتل اكبر عدد من العرب، فان توتر العلاقة مع الغرب وزيادة معدلات الكراهية والنفور في سياساته وساسته يصبح ثمرة طبيعية، لذلك فلن يكون هناك مجال في الأجل القريب على الأقل لا حديث عن مد الجسور وحوار الحضارات بين العالمين الغربي والإسلامي.لا أظن انه من الممكن العودة بسهولة إلى استخدام مفردات ـ هل أقول مخدرات؟ من قبيل مسيرة السلام وثقافته وخارطة الطريق واتفاقات أوسلو، وغير ذلك من العناوين التي فرغت من مضمونها، وفقدت معناها حتى تجاوزت الأحداث بل لعلي اذهب إلى أن السلوك الإسرائيلي الفاحش ألقى بظلال كثيفة على إمكانية التعايش الإسرائيلي مع العرب وأقنعهم اكثر من أي وقت مضى بان شعارات السلام التي رفعتها إسرائيل لم تكن سوى قناع استخدم لإخفاء وجهها القبيح وطموحاتها الشريرة.في الوقت الذي هدمت فيه إسرائيل ـ بين ما هدمته ـ إمكانية التعايش مع الشعوب العربية، فان تلك الشعوب أدركت في تجربة الحرب اللبنانية أن إسرائيل ليست سوى نمر من ورق، إنها كيان استمد قوته وجبروته ليس من ذاته، ولكن من ضعف واستخذاء الأنظمة العربية، الأمر الذي اقنع العقل العربي بأنها كيان قابل للهزيمة إذا ما ووجه برجال يملكون إرادة التحدي والصمود ولا يهابون الموت.من بين السمات المهمة للشرق الأوسط الجديد أيضا أن مجتمعاته ازدادت ثقة في نفسها، في حين اتسعت الفجوة بينها وبين الأنظمة. في الوقت ذاته فان ثقة هذه المجتمعات تلاشت وانعدمت في المنظمات الدولية خصوصا مجلس الأمن بعدما تبين أن تلك المنظمات ليست سوى ألاعيب في يد الأمريكان والإسرائيليين.ربما جاز لنا أن نقول أن الشرق الأوسط الجديد سوف يشهد صعودا لدور حركات المقاومة الإسلامية، يعترف بتلاحم على هذا الصعيد بين الحركات السنية والشيعية. لكن نقطة الضعف التي يمكن أن تعطل ذلك التلاحم المنشود تتمثل في ممارسات الجماعات الشيعية المتعصبة في العراق.إن الشرق الأوسط الجديد لن يكون ذلك المولود الذي تمنته السيدة «كوندي» ولا استبعد أن يصبح كابوسا يؤرق منامها.


إذا اعتبر «حزب الله» هو المشكلة..
 فقد تصبح «القاعدة» هي الحل

إذا اعتبر حزب الله هو المشكلة، فقد تكون «القاعدة» هي الحل. ذلك أن هناك تعبئة متعددة المصادر، يراد لها أن تقنع الرأي العام بأن حزب الله هو اصل المشكلة في لبنان. كما أن حماس في فلسطين هي العقبة الرئيسية التي تواجه «مسيرة السلام». هذا المنطق يصور لنا أنه إذا تم القضاء على الحزب أو جرد من سلاحه بأية صورة، وإذا أسقطت حكومة حماس وأبعدت عن المسرح السياسي، فأن ذلك يعد إيذانا بدخول المنطقة مرحلة الهدوء والاستقرار، الأمر الذي يفتح الأبواب لحلول السلام والوئام فيها. وتلك أكذوبة كبرى يروج لها الإسرائيليون ويرددها الأمريكيون ومن لف لفهم لتحقيق هدفين رئيسين هما: صرف الانتباه عن مسؤولية الاحتلال فيما جرى ويجري، ثم تصفية المقاومة سياسيا وعمليا، لكي يستمر التمكين لإسرائيل وينفتح المجال أمامها كي تحقق طموحاتها.لقد تحدث الرئيس بوش قبل أيام عن ضرورة حل المشكلة من جذورها في لبنان، وبطبيعة الحال فإنه لم يخطر بباله أن يشير إلى دور الاحتلال الإسرائيلي، وإنما الذي كان يعنيه بالضبط هو أولا القضاء على حزب الله أو إخراجه من المعادلة كحد ادنى، ثم دفع لبنان إلى توقيع معاهدة سلام مع إسرائيل، تخرجه بدوره من ساحة الصراع، كي ينضم إلى الدول العربية التي أخرجت من قبل وتحولت إلى متفرج على الصراع، وأحيانا إلى وسيط بين إسرائيل والفلسطينيين.هذا الإصرار الإسرائيلي ثم الأمريكي على تحميل حزب الله مسؤولية ما جرى للبنان، بدا واضحا في مشروع القرار المقدم إلى مجلس الأمن، والذي وافقت عليه الولايات المتحدة وفرنسا. وهذه النقطة بالذات تعد أهم ما في مشروع القرار، بل هي المفتاح الأساسي له، لأنها رتبت نتائج أخرى مهمة من قبيل الدعوة إلى تجريد المنطقة الواقعة على الحدود بين إسرائيل ولبنان، وحتى نهر الليطاني، من السلاح ومن التنظيمات المسلحة، ليس ذلك فحسب، دائما ينص المشروع أيضا على ضرورة الإفراج الفوري عن الأسيرين الإسرائيليين، دون حسم مسألة الأسرى اللبنانيين التي كانت الهدف الأساسي من عملية حزب الله في 12/7. فضلا عن ذلك ينص المشروع على حصار التنظيمات المسلحة في لبنان، ومنع تزويدها بالسلاح كما ينص على تشكيل قوة دولية متعددة الجنسيات لفرض خلو منطقة الجنوب اللبناني من عناصر المقاومة، وهذه الوحدات يراد لها أن تكون قوات مقاتلة، وليس قوة حفظ السلام، الأمر الذي يخول لها حق استخدام السلاح لتنفيذ القرار، أي بالتصدي للمقاومة اللبنانية إذا لزم الأمر.لا يخلو مشروع القرار من إيجابيات تتمثل في تسليم مزارع شبعا إلى لبنان، وتسليمه أيضا خرائط حقول الألغام التي تبثها إسرائيل في الجنوب، إلا أن تلك الإيجابيات لا تنفي حقيقة أن الانحياز لإسرائيل شديد الوضوح فيه. ولا غرابة في ذلك، لأنه إذا كانت الدول العربية الثماني انحازت إلى إسرائيل في البداية، وأعطتها ضوءا اخضر لكي تستمر في تدمير لبنان بحجة الدفاع عن النفس، وإذا كان مجلس الأمن قد قبل بالتسويف في إصدار قرار وقف إطلاق النار حتى يتيح لإسرائيل فسحة كافية لتحقيق أهدافها فلا يفاجئنا أن يصدر المجلس قراره في النهاية محققا للمصلحة الإسرائيلية.

هذا الذي أقوله ليس مجرد استنتاج، لكنه يستند إلى معلومات إسرائيلية.

فقد كشفت صحيفة «هاآرتس» في عددها الصادر يوم الأحد الماضي، (6/8) عن أن إسرائيل شاركت في إعداد مسودة المشروع. وذكر محررها السياسي، ألوف بن، فقد تولي يورام طوربوفيتش، رئيس هيئة مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي أيهود اولمرت المسؤولية عن تنسيق الاتصالات مع الإدارة الأمريكية قبيل الاتصالات وأثناءها التي أجراها ممثلو فرنسا وأمريكا حول المسودة. وأشار بن إلى أن طوربوفيتش نقل للأمريكيين النقاط التي ترى تل أبيب انه يتوجب أن تشملها أي مسودة لقرار مجلس الأمن المتعلق بوقف إطلاق النار في لبنان. هذا فحسب، بل أن ذات الصحيفة كشفت النقاب عن أن إسرائيل ومن اجل أن تتأكد أن الأمريكيين ملتزمون بما تريده الحكومة الإسرائيلية، قامت بإيفاد طال يوكر المستشار السياسي لوزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيفي ليفي لنيويورك ليقوم أولا بأول بالاطلاع على ما يتم الاتفاق عليه بين الوفدين الأمريكي والفرنسي في مجلس الأمن. في نفس الوقت أشارت صحيفة «يديعوت احرنوت» في عدد 6/8 إلى أن ليفني قامت طوال الاتصالات الفرنسية الأمريكية بإجراء اتصالات مباشرة مع وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس للاطمئنان على أن المسودة تضمن تحقيق الأهداف الإسرائيلية في الحرب. وكما أكدت صحيفة «هاآرتس» أن نص المسودة مريح لإسرائيل لدرجة أن المسؤولين الإسرائيليين يمتنعون عن التعبير عن تحمسهم لها، حتى لا يشكل ذلك دليلا على حرص المسودة على تحقيق المصالح الإسرائيلية. الرسالة التي علينا أن نتلقاها من هذا المسلك متعددة الجوانب. فمن ناحية فأن الفشل العسكري الذي منيت به إسرائيل في لبنان، يراد له أن يتحول إلى نصر سياسي في الأمم المتحدة، وما عجزت إسرائيل عن تحقيقه على مسرح العمليات، تكفلت الولايات المتحدة وحلفاؤها بتوفيره من خلال مجلس الأمن. من ناحية ثانية، فان عملية التمكين الإسرائيلي مستمرة من خلال تجاهل حقيقة الاحتلال وكل جرائم الحرب التي ترتكبها في فلسطين ولبنان. ومن خلال الإصرار الدولي على اعتبار أي مقاومة للهيمنة الإسرائيلية بمثابة إرهاب يتعين التصدي له والقضاء عليه ولو اقتضى الأمر استخدام القوات الدولية لذلك الغرض، من ناحية ثالثة فان ذلك يعني أن المخطط الأمريكي لإقامة شرق أوسط جديد في المنطقة، خال من المقاومة ـ خاضع تماما ـ ومتصالح لإسرائيل، هذا المخطط ماض نحو هدفه المرصود. من ناحية رابعة، فإنها تعني انسداد الأفق السياسي في المنطقة، والإبقاء على حالة التوتر المتفشية فيها. وإغراقها في بحر الدماء التي ما زالت تتدفق غزيرة في العراق وفلسطين، ولن ينجو فيها لبنان، الذي رفضت حكومته مشروع القرار، وأعلن الأمين العام لحزب الله أن المقاومة لن تتوقف ما بقي جندي إسرائيلي واحد على ارض لبنان، وأن الحزب لن يقبل بأية شروط مذلة يراد فرضها على لبنان.إذا أضفنا إلى ذلك كله عجز النظام العربي عن اتخاذ أي موقف يوقف ذلك التحول، أو يحد من وطأته. وإذا كان الانصياع للإرادة الأمريكية الأمر الذي دفع بعض الأنظمة إلى الوقوف موقف الحياد في الصراع العربي ـ الإسرائيلي أو التصرف على نحو يعطي انطباعا بالاصطفاف في الجانب الإسرائيلي (وهو ما عبرت التصريحات الرسمية الإسرائيلية عن الارتياح إليه والحفاوة به) إذا كنا بصدد موقف من ذاك القبيل، فما الذي نتوقعه في الشارع العربي؟

دارسو العلوم السياسية وعلماء الاجتماع يعرفون جيدا أن الظواهر السياسية كانت حركات المقاومة التي لاحت في الأفق منذ القرن الثاني عشر على الأقل بمثابة استجابة للظروف التاريخية التي عاشتها المنطقة، خارجيا وداخليا، من الوهابية التي ظهرت لوقف الانجراف المتحلل والبدع، إلى حركات التكفير والعنف التي ظهرت ردا على إرهاب السلطة وإقصائها، مرورا بالمهدية ضد الاستعمار الإنجليزي والسنوسية التي ظهرت لمقاومة الاحتلال الإيطالي، وحركة الإخوان المسلمين التي ظهرت في أعقاب إلغاء خلافة إسلامية لمحاولة ملء الفراغ الذي أحدثه غيابها وبالمناسبة فليس صحيحا أن إيران هي التي أنشأت حزب الله، ولكن الصحيح أن فكرة الحزب ظهرت مع الاجتياح الإسرائيلي للبنان، وجاءت استجابة للظرف التاريخي الذي فرضه الاحتلال، اما دور إيران فقد كان محصورا في مهمة القابلة التي قامت باستيلاد جنين كان قد تشكل بالفعل في ظل الاجتياح.

هذا الذي حدث في الماضي يكاد يتكرر الآن في العالم العربي فقد استدعى الغزو الأمريكي للعراق عناصر «القاعدة» التي مدت نشاطها إلى بغداد وبعض المدن الأخرى، وها نحن نقرأ في الصحف أن بعض قيادات الجماعة الإسلامية في مصر أعلنوا قبل أيام عن انضمامهم إلى «القاعدة» بعدما كان قادة تلك الجماعة قد أعلنوا عن نبذهم للعنف طيلة السنوات الخمس الأخيرة. ورغم أن القادة التاريخيين للحركة أعلنوا عن تمسكهم بموقفهم من العنف، إلا أن الذين انضموا إلى «القاعدة» تحدثوا في بيانهم عن أن اتفاقهم مع «القاعدة» تم على أرضية مقاومة الغزو الصليبي والصهيوني. ولم يشر البيان إلى انظمة الحكم في العالم العربي.ثمة تحليلات اعتبرت هذا التطور محدود الأهمية، وقد اتفق على ذلك لكن أدعو إلى الانتباه إلى الرسالة فيه، وهي أن انسداد الأفق السياسي في العالم العربي، وعدم وجود أية بارقة أمل لمستقبل مشرف، سواء في الخارج أو من الداخل، من شأنه أن يشيع درجة من اليأس، توفر ظرفا مواتيا لانتشار فكر «القاعدة»، الذي يرفع شعار العنف والسلاح هو الحل.

إن الإرهابيين الحقيقيين ليسوا فقط مَنْ يمارس العنف ضد الآخرين ولكنهم أيضا الذين يتولون تخليقهم واستحضارهم بين الحين والآخر.




آن لزمان الضفادع أن يولي

 بقلم: فهمـي هـويـــدي

لا أستطيع أن أفترض البراءة‏,‏ ولا حتي الغباء في أولئك الذين يصرون علي التهوين في شأن الإنجاز الكبير الذي حققه حزب الله في مواجهته الباسلة للانقضاض الإسرائيلي علي لبنان‏.‏ ولأن ذلك الإنجاز واضح لكل ذي عينين‏.‏ فقد اقتعنت بأننا لسنا بازاء مشكلة قصر في النظر أو ضعف في البصر ولكننا بازاء أزمة ضمير وافتقاد للبصيرة‏.‏

‏(1)‏ الرسالة واضحة في قرار رئيس الأركان الإسرائيلي عزل الجنرال أدوي آدم قائد المنطقة الشمالية‏,‏ الذي تخوض قواته المعركة ضد حزب الله‏,‏ وهو ابن الجنرال يوكتئيل آدم الذي كان نائبا لرئيس الأركان‏,‏ وقتل بنيران حزب الله‏,‏ أثناء غزو لبنان في عام‏1982.القرار وصفته وسائل الإعلام الإسرائيلي بأنه زلزال في الجيش‏.‏ وبثت إذاعة الجيش صباح يوم‏8/9‏ تعليقا عليه لمراسلها روني شيلدهاف‏,‏ قال فيه إنه يعبر عن حجم الاحباط الذي يسود القيادة العسكرية والسياسية من تعثر المعركة في مواجهة حزب الله‏,‏ وعجز الجيش عن حسمها‏.‏ بعد مضي شهر علي الحرب‏,‏ برغم أن الرجل يعمل الي جواره من الجنرالات وتحت أمرته أكثر من عشرة آلاف جندي‏,‏ يواجهون عدة مئات من مقاتلي حزب الله‏.‏المفكر الإسرائيلي والكاتب الساخر يونتان شام أور كان أكثر صراحة في تقييمه للموقف‏,‏ فقد نشرت له صحيفة معاريف في‏8/2‏ مقالة قال فيها‏:‏ لقد خسرنا‏.‏ ولم يعد مهما إذا كان الجيش سيصل الي نهر الليطاني أو أنهم سيأتون إلينا برأس نصر الله‏,‏ فقد انتصروا وأصبحنا نحن الخاسرين‏.‏ ثم أضاف قائلا إن المواجهة الحالية لن تقضي علي المستقبل السياسي لحزب كاديما الذي يقوده أولمرت‏,‏ ولكنها أيضا ستلقي بظلالها علي مستقبل المواجهات القادمة بين إسرائيل وحركات المقاومة العربية‏.‏ ذلك أن إسرائيل بعدما فقدت قوة الردع سيصبح بمقدور أي جماعة من خصومها أن تتغوط عليـــنا بــــأي عـــدد من الصواريخ يروق لهـا‏.‏في الوقت ذاته فإن ثمة اتفاقا بين المعلقين في الدولة العبرية علي أن الزلزال سيشمل المستوي السياسي فضلا عن العسكري في إسرائيل‏.‏ إذ يتحدث البعض عن تشكيل لجنة تحقيق في خيبة الجيش‏,‏ قد تطيح برأس رئيس الأركان ذاته دان حالوتس لضعف أدائه‏,‏ حيث يرجح أن توصي بعدم تعيين رئيس للأركان مثله قضي خبرته العسكرية في سلاح الجو‏.‏ وقد تحدث الصحفيان افي زخاروف وعاموس هائيل عن انتقادات حادة في قيادة الجيش لطريقة ادارة الحرب‏.‏ ونقلا عن بعض القادة في مقالة مشتركة نشرتها هآرتس في‏8/2‏ انتقادهم لما سموه بـ خطيئة الغرور التي تصور معها مخططو الحرب انه بالإمكان القضاء علي خطر صواريخ حزب الله بالغارات الجوية‏.‏ في حين أشار أولئك القادة الي الإهمال المتواصل لتدريبات وحدات الاحتياط ومعداتها‏,‏ وتوقعوا أن يحدث التحقيق في ملابسات الحرب ومسارها صدمة كبري في الجيش الإسرائيلي‏.‏

‏(2)‏ الصحفي يوئيل ماركوس نشرت له صحيفة هآرتس مقالة في‏8/7‏ أشار فيها إلي أن التأييد الجارف من جانب الجمهور الإسرائيلي للحرب‏,‏ يذكر بالنكتة المعروفة عن جمهور للأوبرا ظل يصفق طويلا للمغنية‏,‏ حتي صاح واحد من الحاضرين قائلا‏:‏ لن نسمح لك بالنزول عن المسرح حتي تتعلمي الغناء‏!‏

أضاف ماركوس المعروف بكتاباته اللاذعة أن الأغلبية أيدت الحكومة رغم أن مابين‏100‏ إلي‏200‏ صاروخ تضرب إسرائيل يوميا من المطلة وحتي حيفا‏.‏ وذلك كابوس لم نتوقعه حتي في أسوأ أحلامنا‏.‏ وحذر من الأسئلة المحرجة التي سيطرحها الناس حول المكسب والخسارة في الحملة العسكرية‏.‏

مثل هذه التعليقات التي تعبر عن فقدان الثقة وخيبة الأمل باتت تحفل بها وسائل الإعلام الإسرائيلي‏.‏ ففي صبيحة الخميس‏8/2‏ قال معلق الإذاعة العبرية ان نجاح المقاومة في استهداف العمق الإسرائيلي بعد أكثر من ثلاثة أسابيع علي الحرب يمثل فضيحة للدولة وجيشها‏,‏ وفي نفس اليوم نشرت صحيفة هآرتس في افتتاحيتها تعليقا علي خطاب رئيس الوزراء ايهود أولمرت الذي قال فيه ان إسرائيل حققت في الحرب الحالية إنجازات غير مسبوقة‏.‏ وفي التعليق ذكرت أن قادة إسرائيل يعتمدون لغة الخطابة‏,‏ في حين أن حزب الله يعتمد لغة الفعل بالدرجة الأولي‏.‏ وفي نفس العدد نشر المؤرخ والمفكر الإسرائيلي توم سيغف مقالة مسكونة بالمرارة تحدث فيها عن انعدام مصداقية قادة الجيش وترددهم‏,‏ وعجزهم عن اقناع الجمهور بأنهم حققوا انجازا في الحرب‏.‏

هآرتس نشرت أيضا مقالة للمفكر والمؤرخ زئيف شترنهال قال فيها بصراحة إن هذه الحرب هي الأكثر فشلا التي تخوضها الدولة العبرية طوال تاريخها‏.‏ وأضاف أنه بعد ثلاثة أسابيع تحدث أولمرت علي نحو موغل في التفاؤل‏,‏ في حين أنه هو وحكومته وجيشه تحولوا وأصبحوا يخفضون من سقف الأهداف التي وضعوها للحرب‏.‏ فبعد أن قالوا إنه يجب تحقيق هدفين رئيسيين هما‏:‏ استعادة قوة إسرائيل الردعية في مواجهة العرب‏,‏ وتصفية حزب الله نهائيا‏,‏ وجدنا أن الهدفين تراجعا ليصبح هدف الحرب الرئيسي هو مجرد ابعاد مواقع حزب الله الأمامية عن الحدود الشمالية لإسرائيل‏,‏ ونشر قوات دولية علي الحدود‏.‏الجنرال زئيف شيف كبير المعلقين العسكريين في صحيفة هآرتس كتب مشيرا إلي أن وزيرة الخارجية الأمريكية وأركان الادارة في واشنطن كانوا من أكثر المتحمسين لمواصلة اسرائيل للحرب حتي تنجح في إخضاع حزب الله واستسلامه‏.‏ لكن الأداء العسكري الإسرائيلي خيب آمال المسئولين الأمريكيين‏,‏ الذين استغربوا قدرة المقاومة اللبنانية علي مواصلة حرب الاستنزاف ضد الدولة العبرية بعد مرور أربعة أسابيع علي المعارك‏.‏

‏(3)‏ إضافة إلي الاعتراف بالهزيمة‏,‏ وفقدان الثقة في أداء القوات المسلحة وقرارات الحكومة الإسرائيلية‏,‏ فإن الصدمة أحدثت اهتزازات واصداء أخري‏,‏ كان من بينها علي سبيل المثال‏:‏ ـ

‏*‏ اتهام أمريكا بتوريط إسرائيل‏:‏ هذه الفكرة ترددت في كتابات عدد من المحللين والخبراء‏.‏ عبر عن ذلك تسفي بارئيل محرر الشئون العربية في هآرس‏,‏ الذي قال صراحة إن واشنطن تحاول توريط إسرائيل في حرب دينية ضد العالمين العربي والإسلامي‏.‏ وهذه الفكرة عبر عنها آخرون ممن حذروا من مغبة وقوع إسرائيل ضحية اغراء التأييد الأمريكي لها في الحرب‏.‏ وكانت زهافا غلون رئيس كتلة حزب ياحد اليساري وعضو الكنيست قد وصفت التأييد الأمريكي بأنه توريط في المستنقع اللبناني‏.‏ الموقف ذاته تبناه المؤرخ البارز توم سيغف الذي قال في مقالة نشرتها هآرتس إن للولايات المتحدة دورا كبيرا في توريط إسرائيل في الحرب‏.‏وأعاد الي الأذهان حقيقة أن الولايات المتحدة تنقصها الدراية الكافية بكيفية التعامل مع العالم العربي‏,‏ بخلاف أوروبا‏.‏ وقال إنه كان من الأفضل لإسرائيل الدخول في مفاوضات لإطلاق الأسيرين‏.‏ وللعلم فإن عددا غير قليل من الساسة اليساريين في إسرائيل اعتبروا أن هذه حرب تشنها بلادهم بالوكالة عن الولايات المتحدة‏,‏ وهي في النهاية لن تخدم لا إسرائيل ولا أمريكا‏,‏ كما قالت زهانا غلون‏.‏‏*‏ رسائل مغازلة سوريا‏:‏ أجمعت التقارير الصحفية علي أن إسرائيل منذ بداية الحرب حرصت علي طمأنة سوريا الي أن الحملة ضد حزب الله لن تشملها‏.‏ ولكن اصواتا إسرائيلية عدة ذهبت الي أبعد‏,‏ فدعت الي إحياء المسار التفاوضي مع دمشق وعقد صفقة معها حول هضبة الجولان‏,‏ بما يؤدي الي عزلها عن حزب الله وإيران‏.‏ ومن أبرز الداعين الي ذلك الجنرال أوري ساغيه رئيس الاستخبارات العسكرية الأسبق‏,‏ الذي رأس فريق المفاوضات مع سوريا علي عهد رئيس الوزراء الأسبق باراك‏(‏ عام‏1999).‏ وقد أعلن الرجل عن ذلك في تصريحات للإذاعة العبرية‏,‏ دعا فيها حكومة تل أبيب لأن تكون مستعدة لدفع الثمن المناسب لإقناع سوريا بعقد الصفقة‏.‏‏*‏ أمل بديلا عن حزب الله‏:‏ تحدث خبراء آخرون عن عزل حزب الله‏,‏ عن طريق التعامل مع حركة أمل‏,‏ واعتبارها الممثل الشرعي الوحيد للشيعة في لبنان‏.‏ دعا الي ذلك الدكتور يسحاك بيلي‏,‏ المستشار السابق لوزارة الحرب لشئون الشيعة‏,‏ إذ حث تل أبيب وواشنطن علي التعاون في جذب حركة أمل والتركيز علي تمثيلها للشيعة في الجنوب بوجه أخص‏.‏ وركز علي أن ثمة فروقا بين الحركتين‏,‏ أبرزها أن حركة أمل علمانية وذات قيادة معتدلة‏,‏ في حين أن حزب الله له توجهاته الأصولية المتطرفة‏.‏‏(4)‏ حلم هذا كله أم علم؟ ـ السؤال طرحه العم أمين هويدي وزير الحربية ورئيس المخابرات الأسبق‏,‏ الذي عاصر كل حروب العرب مع إسرائيل‏,‏ وقال‏:‏ من كان يحلم بأن ينقل طرف عربي الخوف والوجع الي إسرائيل‏,‏ فيهددها لأول مرة في تاريخها‏,‏ ويضرب عمقها واصلا الي صفد وطبريا والعفولة‏,‏ ويدفع بسكانها الي المخابيء التي لم يدخلوها منذ نصف قرن‏.‏ بل ولا يتردد في التصريح بضرب تل أبيل إن هي قصفت بيروت؟ ـ من كان يخطر له أن تنجح المقاومة الإسلامية في هدم نظرية الأمن الإسرائيلي‏,‏ وافقاد العدو قدرته علي الردع‏,‏ واسقاط هيبة الجيش الذي قالوا إنه لا يقهر‏,‏ وأيضا إسقاط هيبة أجهزة المخابرات الثلاثة‏:‏ الموساد والسي آي ايه‏(‏ الأمريكية‏)‏ ومخابرات حلف الناتو؟ ـ من كان يتصور في اجواء الاحباط والهزيمة المخيمة أن تقلب المعارك بالكامل في المنطقة‏,‏ علي نحو يحدث نقلة نوعية مهمة في موازين القوي‏,‏ تجاوزت بكثير ما حققه العبور المصري الي سيناء عام‏73.‏ وهي النقلة التي أكدتها بنجاح علي الأراضي‏,‏ وستحقق هدفها‏,‏ وستجني الأمة العربية ثمارها‏,‏ إذا أحسن السياسيون توظيفها بنفس درجة الكفاءة التي شهدناها في ساحة القتال‏.‏المفاجأة في الانجاز كان لها صداها القوي في اوساط عرب‏48‏ الذين يعيشون في ظل الذل والعنصرية داخل إسرائيل‏,‏ صحيفة القدس العربي استكتبت عددا من أدباء حيفا‏(‏ في عدد‏8/8),‏ فقال الكاتب سليم أبو جبل إنه حين يهرول اليهود الي الملاجيء خائفين‏,‏ فإن العرب يخرجون لمشاهدة القذيفة القادمة‏,‏ كأنها هدية جاءتهم بعد طول انتظار‏.‏ وقال الشاعر حنا أبو حنا إنه بعد الذي جري‏,‏ فقد آن لزمان الضفادع أن يولي‏.‏هذه المشاعر الجياشة التي تملأ الشارع العربي‏,‏ وهذه الروح الجديدة التي سرت في أوصال الأمة‏,‏ لم يصل شيء منها الي دعاة التهوين‏.‏ وإذا كنت قد فسرت موقفهم في البداية بحسبانه تجسيدا لأزمة البصيرة وليس البصر‏,‏ إلا أنني صرت أفكر في أمر آخر‏,‏ حين قرأت تحليلا نشرته صحيفة يديعوت احرونوت‏(‏ في‏8/7)‏ للمحررة السياسية سيماكرمون‏,‏ ذكرت فيه أنه لأول مرة وزع مكتب رئيس الوزراء‏,‏ رسالة مطبوعة علي الوزراء‏.‏ نبهتهم الي ضرورة التأكيد في تصريحاتهم الصحفية علي أن إسرائيل انتصرت وألحقت الهزيمة بحزب الله‏.‏ وهو ما دفعني الي التساؤل عما إذا كانت نسخ من تلك الرسالة وزعت علي عناصر المارينز في دوائر الإعلام العربي؟




عقلية الطوارئ

فهمى هويدي

التقرير الأخير للمجلس القومى لحقوق الإنسان فى مصر يقلقنا على مسيرة الإصلاح السياسي، من حيث انه يدلل على أن الشوط لا يزال بعيداً لبلوغ الأمل المعقود عليه، وأن ما قطعناه منه حتى الآن يظل فى حدود إعلان النوايا، وفى احسن فروضه فهو بمثابة خطى أولى فى رحلة الألف ميل.

1 - فى 7/10/2005 أطلق أحد رجال الشرطة الرصاص على سائق حافلة ركاب صغيرة ميكروباص اسمه علاء محمد عبد اللطيف ومساعده محمد عدلي. فأصاب الأول بطلق نارى فى منطقة الرقبة. أما الثانى فإن إصابته فى الرقبة أعجزته عن الحركة. وسبب الاشتباك، طبقاً لما أورده تقرير مجلس حقوق الإنسان، أن رجل الشرطة أوقف الحافلة، وأمر ركابها بالنزول، ثم طلب من السائق أن يوصله إلى مقر إقامته فى منطقة أطلس جنوبى القاهرة. ولما رفض طلبه، أطلق عليه رجل الشرطة الرصاص فأصابه ومساعده على النحو السابق ذكره. ألقى القبض على الشرطى بعد ذلك، وأمرت النيابة بحبسه لمدة أربعة أيام. فى واقعة أخرى بتاريخ 9/4/2005 خرج مواطن آخر اسمه محمد حبشى 27 سنة من بيته متوجهاً صوب إحدى الصيدليات لشراء دواء لوالدته المريضة، فاستوقفه أربعة من أمناء مباحث قسم شرطة الموسكى بالقاهرة، وسألوه عن بطاقته الشخصية، ثم طلب أحدهم من حبشى أن يقوم بشراء أربع وجبات كفتة. ولما رفض صاحبنا انهالوا عليه سباً بألفاظ نابية، وضربه أحدهم بجهاز اللاسلكى حتى أوقعه أرضاً، ثم قاموا بسحله فى الشارع أمام المارة، وتم اقتياده إلى قسم الشرطة، حيث استمرت حفلة الضرب. فى واقعة ثالثة سجلها التقرير أن مواطناً اسمه محمد السيد سليم مقيم فى مركز مشتول بمحافظة الشرقية، احتجز فى مركز الشرطة لاتهامه فى جنحة، وأثناء الاحتجاز تعرض للضرب بالأرجل على الظهر وهو مقيد من الخلف بقيود حديدية، مما افقده الوعى وأعجزه عن الحركة. وبعرضه على النيابة العامة قررت إخلاء سبيله بضمان محل إقامته. مما يدل على أن التهمة الموجهة إليه بسيطة ولا تستدعى استمرار احتجازه. وأثناء عودته إلى القسم لإنهاء إجراءات الإفراج عنه، فوجئ باحتجازه داخل ديوان المركز طيلة ثلاثة أيام، وهو فاقد القدرة على الحركة. وحين أخلى سبيله فى 27/1/2005 تم تحويله إلى مستشفى الزقازيق الجامعي. وفى تقرير حالته ذكر الطبيب المختص أن المذكور يعانى من كسر بالفقرات القطنية، وفقدان الحركة والإحساس بالطرف السفلي، كما انه يعانى من عدم التحكم فى البول والبراز، ويحتاج إلى اجراء جراحة لتثبيت العمود الفقرى بواسطة شرائح ومسامير، تكلفتها فى حدود عشرة آلاف جنيه. تخيرت هذه الوقائع من التفاصيل التى سجلها فصل عقده التقرير لأوضاع حقوق الإنسان فى العام 5002 ليس فقط لما انطوت عليه من انتهاكات، ولكن لأسباب أخرى لها دلالتها، منها مثلاً أن ضحاياها مواطنون أبرياء لم يرتكبوا جرماً يبرر القسوة التى استخدمت بحقهم. ثم انه لا علاقة لهم بالسياسة من أى باب. والأهم من ذلك، أن الذين مارسوا الاعتداء عليهم جنود عاديون أو أمناء شرطة فى احسن الفروض، تصرفوا بدرجة عالية من النزق والاستهتار. الأمر الذى دفعنى إلى التساؤل: إذا كان ذلك ما يفعله بالناس الجنود الذين لا حول لهم ولا قوة، فما هو المدى الذى يمكن أن يذهب إليه الضباط إذن؟ أرجح انك تعرف الإجابة، لكن مع ذلك سأورد حالة عادية جداً أوردها التقرير، خلاصتها أن مواطناً بريئاً اسمه حسام السعيد عامر توجه بحسن نية إلى قسم شرطة الازبكية بالقاهرة لتحرير محضر ضد أحد سائقى السيارات. لكنه تعرض لسوء المعاملة فى القسم، حيث أهانه وسبه بعض الضباط. وإذ فوجئ الرجل بذلك، فإنه ثار لكرامته، ولم يملك سوى إخبارهم بأنه سوف يضرب عن الطعام احتجاجاً على إهانته. وجاء الرد متمثلاً فى أمر باحتجازه فى القسم والاعتداء عليه بالضرب بالأرجل وبظهر الطبنجة، ليس ذلك فقط، وإنما لفقت له أيضاً قضية تزوير ورقة مالية فئة 50 جنيهاً، وقدم إلى النيابة بهذه التهمة. لكنه تظلم وطلب إثبات ما تعرض له من إصابات نتيجة للضرب. فأمرت النيابة بإخلاء سبيله، إلا أن ضابط القسم ضرب بالقرار عرض الحائط، وظل محتجزاً الرجل لمدة ثلاثة أيام، تعرض خلالها لما تتصوره من اعتداءات بالضرب والسب والإهانة. فى مواضع عدة أشار التقرير إلى أن الذين مارسوا أمثال تلك الانتهاكات تمت محاسبتهم بصورة أو أخري، وهو شيء طيب لا ريب أحد الضباط حكم عليه بالحبس أسبوعا وبغرامة قدرها عشرون جنيهاً لأنه استخدم القسوة ضد أحد المواطنين غير أن وقوع الانتهاكات بحجم لافت للنظر، وممارستها ضد الأبرياء من جانب الجنود العاديين فضلاً عن الضباط، يسلط الضوء على حقيقة ينبغى الاعتراف بها، وهى أن ثقافة احترام حقوق الإنسان لم تترسخ بعد فى إدراك العاملين فى أجهزة الأمن، وأن الصلاحيات الواسعة الممنوحة لهم تشجعهم على الإخلال بمقتضيات تلك الحقوق، وعدم الاكتراث فى بعض الأحيان بضوابط القانون أو بقرارات القضاء والنيابة روى التقرير أن وكلاء نيابة حى المنتزه بالإسكندرية قاموا بزيارة مفاجئة لمقر قسم الشرطة فى غياب ضباطه فوجدوا بداخله 55 شخصاً محتجزين دون وجه حق.

2 - فى الفترة من بداية يناير 2005 وحتى أول مارس 2006 تلقى مجلس حقوق الإنسان 6528 شكوي، حوالى 43% منها تعلقت بأوجاع الناس العاديين وحقوقهم الاجتماعية والاقتصادية. أما الذين اشتكوا من العدوان على حقوقهم المدنية والسياسية فنسبتهم تتجاوز 28%، أى انهم يمثلون اقل قليلاً من ثلث الذين رفعوا أصواتهم وجأروا بالشكوي. من الأرقام ذات الدلالة فى هذا الصدد أن 38% من الشكاوى الأخيرة التى تلقاها المجلس من منطقة القاهرة الكبرى محافظات القاهرة والجيزة والقليوبية. وذلك ليس راجعاً فقط لزيادة الكثافة السكانية فى هذه المحافظات، التى يعيش فيها ربع الشعب المصري، ولكنه راجع أيضاً لارتفاع مستوى التعليم والوعى بها، وتوفر المؤسسات الحكومية ومنظمات حقوق الإنسان وغير ذلك من منظمات المجتمع المدني. وهو ما يعنى أن التراجع النسبى لعدد الشكاوى المرسلة من الوجهين القبلى والبحرى لا يرجع بالضرورة إلى قلة الانتهاكات فيها، وإنما لقلة الوعى وانتشار الأمية بها. إذ أن المنطق يقول إن مجتمعات الوجهين القبلى والبحرى تعيش أوضاعاً مدنية اضعف بكثير منها فى القاهرة الكبري، الأمر الذى يوفر ظرفاً مواتياً للتوسع فى الانتهاكات التى يحتملها الناس فى صمت، خصوصاً أن ممارساتها تظل بعيدة عن الأعين، ومن ثم بعيدة عن الحساب. ثمة معلومة لها دلالتها تضمنها جدول إحصائى بعدد الشكاوى التى حوّلها المجلس إلى الجهات المعنية، حيث تبين أن حظوظ وزارة الداخلية والنائب العام من تلك المكاتبات أعلى بكثير من غيرها وهو ليس غريباً إذ وجهت إلى الداخلية 353 رسالة وإلى النائب العام 212 غير أن ما يلفت النظر فى هذا الصدد أن وزارة الداخلية ردت فقط على أقل من نصف الشكاوى التى أرسلت إليها 5.74% وسكتت عن النصف الآخر، لأسباب لم تذكر ولكننا قد نفهمها. أما النائب العام فقد رد على 88% من المكاتبات التى تلقاها بخصوص الانتهاكات. استوقفنى طويلاً فى التقرير أيضاً إشارته إلى أن الاعتقال الإدارى يمثل أحد اخطر الانتهاكات التى تقع ضد الحق فى الحرية والأمان الشخصى ودعوته إلى سرعة معالجة قضية أولئك المعتقلين الذين تم اعتقالهم دون اتباع الإجراءات والضمانات القانونية المنصوص عليها مع الإعراب عن القلق إزاء تفاقم الظاهرة، سواء من حيث أعداد المعتقلين أو طول مدة الاعتقال وما يستصحبه ذلك من شيوع ظاهرة الاعتقال المتكرر وعدم تنفيذ الأحكام القضائية النهائية بالإفراج عن بعض المعتقلين. همتنى الملاحظة لسببين، الأول أنها تسلط الضوء على إحدى أهم سلبيات قانون الطوارئ، الذى يطلق يد أجهزة الأمن فى ممارسة تلك الانتهاكات، أما السبب الثانى فهو شخصي، لأن لدى ملفاً متخماً بالشكاوى والتظلمات التى تلقيتها خلال السنوات الأخيرة، سببت لى وجعاً مستمراً فى الضمير، لأننى ظللت عاجزاً عن أن أفعل شيئاً لأصحابها، وهم عناصر شابة قضت سنوات غير قليلة فى الاعتقال تجاوزت العشر فى الأغلب، وهؤلاء الشبان إما انه لم توجه إليهم تهمة، أو انهم أدينوا فى بعض القضايا، وأدوا ما عليهم وزيادة، ومع ذلك استمر اعتقالهم، بحيث لم يعودوا يعرفون متى سيرون النور. لذلك أصبحوا يطلقون على أنفسهم اسم معتقلون بلا حدود. وقد هدم مستقبلهم كما عذبت أسرهم، وبلغ بهم اليأس مبلغه، حتى كتب إلى بعضهم يقول: اقتلونا يرحمكم الله. لكى نستريح من العذاب، ولكى تتوقف عذابات أهالينا، ولكى تستريح منا الحكومة التى يقلقها الإفراج عنا.

3 - أول وأهم الخلاصات التى انتهى إليها التقرير تمثلت فى الإلحاح مجدداً على المطالبة بإنهاء حالة الطوارئ وتصفية أوضاع المعتقلين، ومن ثم إيقاف العمل بالأحكام القانونية الاستثنائية التى تهدر أو تنتقص من حقوق وحريات الأفراد فى هذا السياق جرى التنبيه إلى أمرين، أولهما ضرورة حماية الحقوق والحريات العامة فى قانون الإرهاب الذى يفترض أن يحل محل قانون الطوارئ، وثانيهما أهمية طرح المشروع الجديد للمناقشة مع مختلف الهيئات والمنظمات المعنية بالموضوع. فى المؤتمر الصحفى الذى عقد لإشهار التقرير يوم الأربعاء 5/4/6002 تحدث الدكتور كمال أبو المجد نائب رئيس المجلس بصراحة اكثر فى هذه النقطة. إذ حذر من خطورة نقل بنود الطوارئ إلى قانون الإرهاب الذى يعد مشروعه الآن. وهو تحذير له دلالته ولم يأت من فراغ، لأن المعلومات المتوفرة تشير إلى أن الدوائر الأمنية تريد أن تحتفظ فى القانون الجديد بالصلاحيات الواسعة التى وفرها لها قانون الطوارئ، متذرعة بأن تلك الصلاحيات من ضرورات مكافحة الإرهاب. وهو منطق خطر يصطنع تعارضاً بين أمن الوطن وكفالة حقوق المواطن وحرياته، فى حين أن التوفيق بين الاعتبارين هو السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار فى المجتمع. أما خطورة ذلك النهج فتكمن ليس فقط فيما يمثله من انتقاص للحريات العامة، ولكنها تكمن أيضاً فى أنه يشكك فى صدقية الإصلاح المنشود، من حيث إنه يريد للتغيير أن يظل مقصوراً على العنوان دون الجوهر، وهو ما يعنى أننا نراوح مكاننا ولا نتقدم إلى الأمام. إزاء ذلك، فإننى أرجو أن نتوافق على أن المشكلة ليست فى قانون الطوارئ، أو فى قانون مكافحة الإرهاب، ولكنها فى عقلية الطوارئ المصطلح ليس من عندى ولكن عينى وقعت عليه فى إحدى مقالات زميلنا الدكتور محمد السيد سعيد وهى العقلية التى أدمنت التعامل مع المجتمع من خلال قوانين وإجراءات استثنائية، وقضاء استثنائي. علماً بأن الأغلبية الساحقة من رجال القانون فى مصر، يرون أن فى البلد ترسانة من القوانين القادرة على التعامل مع الظاهرة، منها باب كامل فى جرائم الإرهاب أضيف إلى القانون الجنائى فى عام 1992، وأننا لسنا بحاجة حقيقية لا إلى قانون الطوارئ ولا إلى قانون مكافحة الإرهاب. إن اكثر ما أخشاه فى هذا الصدد أن يتكرر مع قانون الطوارئ ما جرى مع تعديل المادة 76 من الدستور، حيث أطلقت فكرة ممتازة تقضى بتعيين رئيس الجمهورية بالانتخاب المباشر من بين مجموعة من المرشحين. ولكن صياغة الفكرة وتنزيلها على الواقع أفرغها من مضمونها، الأمر الذى احدث قدراً مشهوداً من البلبلة، دفع البعض إلى إساءة الظن بالفكرة ذاتها. وها نحن بإزاء موقف مماثل يثير نفس المخاوف، ذلك بأن الاتجاه إلى إلغاء قانون الطوارئ أمر حميد ومرغوب لا ريب، لكن الإبقاء على مضمون القانون فى تشريع آخر، لا لزوم له، يحمل اسماً مغايراً، يمثل صدمة أخري، توقعنا فى المحظور والإحباط واليأس. ولن يختلف حالنا فى ذلك عن حال رجل كان اسمه حسن زفت، وإزاء انتقاد الناس له وسخريته منه، فإنه غير اسمه إلى إبراهيم زفت، ثم ذهب مزهواً إلى أصحابه ليزف إليهم الخبر!

إن القدرة على التعبير هي القدرة على الحياة
 

المجزرة اليهودية في غزة


دماء الشهداء لن تذهب هدرا
 
 
إسماعيل هنية

  غزة وضرورة المقاومة

خطوة على طريق التصدي
   
للهيمنة اليهودية عالميا

شروط تفكيك الكيان الإسرائيلي
    يحي أبوزكريا

الحرب الإعلامية:هل انقلب
 
  السحرعلى الساحر؟
م. بشور
 

الحرب النفسيّة اليهودية
    لإحتلال عقولنا، أسعد أبو خليل
 

"كتّاب" الطابور الخامس
    وتبريرالعدوان اليهودي

التعاون مع العدو كفر وخيانة
   
- بيان من العلماء المسلمين

التعاون مع العدو جريمة
    لا "وجهة نظر"!
ع.أومليل

حكاية البهائي محمود عباس

مسيرات الشعب المغربي
    من
أجل غزة

صادرات إسرائيل إلى المغرب
   20 مليار خلال السنة الماضية

الخونة والأقلام المأجورة !
   
محمد الشبوني

اليهود ممسكون بخناق القرار
    الغربي
عبد الكريم مطيع

إسرائيل: حاضنة الإرهاب
    اليهودي
، عبد الله آل ملهي

هستيريا الخونة سميح خلف

علماء السلاطين أم تُجار دين ؟

قائمة لعملاء العدو، قائمة العار

مطالبة شعبية
    بتجريم التطبيع مع العدو

الموت لحكامنا المتحالفين
    مع اليهود
،
منير باهي

يوميات رجل خليجي

"جنرالات" كرة القدم
    في المغرب
!

الحمار المحتل

العيب فينا ؟
    
أم في الهيمنة الخارجية؟

"هيبة الملك" في المغرب
     علي الوكيلي

هل سيتحقق هدف حصار غزة ؟
    سوسن البرغوتي

كيف تمت سرقة المغرب؟
   
مصطفى حيران

موت الأنظمة وعجز الشعوب
    أحمد منصور

عنتريات الحكام ضد شعوبهم
    وتواطؤهم مع اليهود نزار قبانى

تقرير سري جدا
     من بلاد قمعستان،نزار قبانى

متى يعلنون وفاة العرب؟
  
 نزار قباني

إما نكون أعزةً أو لا نكون!
   
أحمد باكثير

المفسدون في الارض
    أحمد حسن المقدسي

الكلام، زيّ الحسام...
    
حوار مع أحمد فؤاد نجم

اتركوني أبكي ...
   
عادل الحياني

أيها الساكن في قصور
    الفجور
د.مازن حمدونه

أشهد يا عالم! حسن العشوري

أسماء بعض كبار مجرمي حرب
   الإبادة بغزة المطلوبين للمحاكمة


بيان إلى الأمة بشأن غزة

دعوة لإعلان الإنتفاضة

عندما فشل الحصار

نهجان في مواجهة العدوان

تصفية القضية الفلسطينية

أصبحنا غرباء في بلداننا

بروتوكولات حكماء صهيون

الدعاء الرسمي للحكام العرب

خفافيشٌ اليهود تريدُ دمَاءَن

أول العرب هم الفلسطينيون

طاطي رأسك طاطي...

تضامن مع غزة في المغرب

أحمد رامي Ahmed Rami 

باللغة الإنجليزية English

باللغة الفرنسية  Français

 بالعربية Arabic
 

مجزرة اليهود بغزة في صور

رسوم عن جرائم اليهود في غزة

مناظرمن جرائم اليهود في غزة

صور الهمجية اليهودية في غزة

صور لرسائل حب الأطفال
    اليهود لغير اليهود
!


100 كاريكاتور
    عن الوقاحة اليهودية


ملحمة غزة وهزيمة الخونة
   
فهمي هويدي

جريمة محرقة غزة لن تمر
    فهمي هويدي

 بالخداع يحاول اليهود تحقيق
    ما عجزواعنه بالسلاح
ف.
هويدي

خطاب لن يلقيه مبارك
 -  فهمي هويدي

اسمحوا لي أن أبصق على
    مجتمعنا، أحمد رامي


أخي لقد جاوز الظالمون المدى
     فحق ا
لجهاد وحق الفداء!


أيها المسلمون: فيقوا وانهضوا

إستشهاد المجاهد سعيد صيام
    القيادي في حماس


في ذكرى جمال عبد الناصر
    بيان عن ملحمة غزة


أعرف عدوك:
    اليهود في القرآن

غزة: معنى وقف إطلاق النار
    عزمي بشارة

الوسيط اليهودي ساركوزي!
    عبد الباري عطوان

ثقافة الإستسلام
    عبد الباري عطوان

غزة تفضح "عرب" التواطؤ
    عبد البارى عطوان

لم ولن يستسلم المجاهدون !
    عبد البارى عطوان

غزة وسقوط الأقنعة
  
 رشيد نيني

لن نصدقكم أيها الحكام!
  
    
د. فيصل القاسم

غزة وثقافة المقاومة !
    حسن بويخف

حكامنا، حكام الردة والخيانة
    صلاح عودة

محرقة غزة ودعاية مخرقة
   اليهود
عبد الله الدامون

اللص اليهودي، وكلابه
  
 عبد الله الدامون

ما العمل، يا أحبار الهزيمة؟
  
 نور الدين لشهب

إنهاء الإحتلال، لا المقاومة!
  
 صبحي غندور

بداية للتصدي للهيمنة اليهودية

دعوة للتخلص من الحكام
   المنافقين الذين عرتهم غزة

حجب المواقع المعارضة
    في المغرب

العرب ظاهرة صوتية
    أمام الاحتلال،
أميمة أحمد

غزة بين ظلم الأعداء
    وغبن الأصدقاء
، ن. علوش

مبارك لإسرائيل:
     
"أكسروا حماس" !

محمد السادس "يتجرأ"...
   
على شافيز
!

محمد السادس أميرالمؤمنين
    أم أميراللواطين؟

"محمد السادس" يرفض
    إستقبال نائب أحمدي نجاد !

القمة، أو"القمامة" العربية!

قمة الانحدار. لا رأي
    لمن لا قوة له!
رشيد نيني

دعاء الحكام في مؤتمرالقمة:
   
"اللهم انصراليهود"!

 اليهود في القرآن

مرشد الثورة الإسلامية
   
يهاجم الخونة

يهود المغرب، طابور خامس

إعتقال مسؤول مغربي
    لأنه لم يقبل يد الملك
!

المارد الإسلامي يخرج من
   صندوق الاقتراع
أوري أفنيري

القدس

غزة العز، قلب أمة ينبض

لن يكون مع اليهود سلام

فيلم يهودي في المغرب

فقدان حقوق الإنسان العربي
 

FRENCH

ENGLISH

Photos du massacre
    juif à Gaza

Photos et l'idéologie
     derrière le massacre


Chronique illustrée du
    massacre juif de Gaza


  Images des bestialités
     juives à Gaza


Les messages d'amour
    des enfants juifs


100 caricatures
    sur le culot juif


200 citations
    sur les juifs


Que veulent les Juifs,
    au juste ?
M. Mahmud


La France
    est occupée !


Obama raconte à
    sa fille...
M. Collon


Pas de paix
    sans Justice!

       Michel Collon


France: une prison
     idéologique!
Dupont


Guerre totale
     contre l'Islam

        Ahmed Rami


Céline et les juifs...


Les plans stratégiques
     juifs de Sarko


Que faire ? Bilan et
     perspectives d'action

     
Michel Collon


«L'Holocauste»:
    un mensonge
   
historique!
   
 R. Faurisson


Ben-Gourion:
    "Nous avons volé
     la Palestine"
 
       
Khalid Jamai


Le massacre de
    1400 palestiniens
     à Gaza. P. Randa


Les juifs ont violé
    notre conscience
       BELAALI Mohamed


Boycottons
    les produits juifs


Macias en France
     veut mourir
     pour
Israël !


La libération
    de la Palestine
    passe par la notre!

     
C. Bouchet
 


Libérer les Français
    des mensonges juifs,
  
  Alain Gresh


Gaza, choc et effroi
       Alain Gresh


Levons-nous !


En France:
    les
juifs déforment
    
les magistrats!


Le massacre
    juif de Gaza.

    M. Collon


On ne peut pas
    dire la vérité.

     Michel Collon


Arrêtons les
    massacres
!
    Gilbert Perea


Qui recherche la
    vérité,
est interdit

      
Ivan de Duve


Les Israéliens
     s'illusionnent

        Abdel-Jawad


"J'écrivais des textes
     que d’autres signaient."
       Simon Levy


Les juifs gouvernent
     le monde
 Mahathir M.


La crise financière,
     pourquoi...?


Le pouvoir juif 
    persécute Siné !


Les racines des
    crimes juifs actuels
,
      Robert Faurisson


Les plans stratégiques
 
  juifs du rusé Sarkoy!


“Tsahal” recrute
    en France


Un "peuple"
    ou d'une mafia?
    
Shlomo Sand


Que dit la bible juive?


Les Juifs contrôlent
    le monde entier

       Abdallah Aal Malhi


"Merci Hitler"!


"H. Clinton:
     une pute juive"


Ahmed Rami


Arabe بالعربية


Anglais
 


 

Photos of the jewish
    massacre of Gaza

Album of the idéology
   behind the massacre


  The Jewish massacres
     in Gaza,
 photos


Images of the Jewish
     bestiality in Gaza


When Jewish children 
    send 'love' messages


100 cartoons about
    jewish domination


For Whom
    the Gaza BellTolls


The Jewish terrorist Stat


Judaism in its finest hour !


What Jews say, what world
   famous men said about Jews


Israel Is Committing
    War Crimes


I am Israel


Wake up Germany !


How to Kill a Palestinian


The Jewish Purim:
  
  What's It ?


The Jewish Yom Kippur
    What Is It ?


How Jewish leaders
     kill for Jewish votes


Israel Seeking Arab
    Obeisance


The US Promotes Jewish
    Genocide Against Gaza


"European" or Jewish
       initiatives in Gaza ?


Jewish massacre of Gaza


Bombing of the University
     in Gaza!


The Jewish
     Holocaust in Gza


A Jewish Extermination
    Campaign


Economical War
    & Jewish domination


Israel: Boycott
    and Sanction


Fatwas on the
    Boycott of Israel


US products' Boycott
    starts in Malaysia


Ten Key Questions
     to The Jews


No congratulations
    to Obama


Madoff and its
    victims Victims


A North American
    Statementon Gaza


The rotten state of Egypt
     is too powerless to ac
t


Growing outrage at the
     killings in Gaza


US secret arms to Israel


The Crucifixion of
     Bishop Williamson


What is this Jewish
    carnage really about ?


Ahmed Rami


French


Arabic بالعربية
 







HOME 

Ahmed Rami