إسرائيل ليست حقيقة مطلقة
حين زال حاجز الخوف، وأدرك المقاتلون
حقيقة معدن عدوهم، أقنعهم ذلك. وأقنعنا أيضاً، بأن إسرائيل ليست حقيقة
مطلقة، ولكنها مشروع قابل للهزيمة. وما الهالة الإعلامية التي أحاطوا بها
أنفسهم وصوروا جيشهم على غير حقيقته، سوى أكذوبة استسلم البعض لها، الأمر الذي
فتح الباب لإعادة قراءة أو تفسير الانتصارات الإسرائيلية في الحروب العربية
السالفة، التي لم تتحقق لأن إسرائيل امتلكت قوة خارقة أو جيشاً غير عادي، ولكن
الهزيمة كانت من نصيب الدول العربية لأنها واجهت إسرائيل بجيوش غير مؤهلة للانتصار
في المعركة، وبأساليب اتسمت بعدم الجدية، وعدم الإخلاص من جانب بعض الأطراف،
بكلام آخر فإن المواجهات حسمت لصالح إسرائيل ليس لأنها قوية على نحو غير عادي،
ولكن لأن العرب ظهروا ضعفاء على نحو غير عادي.
اختلف الموقف بصورة جذرية الآن، حين
واجهت إسرائيل اختباراً حقيقياً على أيدي رجال حزب الله وشباب الانتفاضة. الأمر
الذي يسوغ لنا أن نقول الآن أن المشروع الإسرائيلي قابل للهزيمة، شأنه في ذلك شأن
مشروع نابليون في القرن التاسع عشر، والمشروعات التوسعية والإمبريالية كافة التي
شهدها القرنان الأخيران.
ومن الجدير بالذكر في هذا السياق أن
الشبان الذين تصدوا لإسرائيل على الجبهتين اللبنانية والفلسطينية هم نماذج لذلك
الجيل الذي راهن البعض على تدجينه وترويضه في ظل ما سمي بثقافة السلام. هم أولئك
الشبان الذين ولدوا بعد اتفاقيات كامب ديفيد أو ترعرعوا بعد اتفاقيات أوسلو
ومابعدها. هم الذين يفترض أن أدمغتهم قد غسلت من بقايا الماضي الذي تسعى إسرائيل
وأبواقها إلى محوه من الذاكرة أو طمس معالمه على الأقل، من خلال تآكل الذاكرة أو
الإغراء بأوهام المستقبل وتطلعاته.
اللافت للنظر أيضاً أن الجماهير التي
خرجت في أنحاء العالم العربي معبرة عن الغضب والنقمة، وعن التضامن مع الشعب
الفلسطينـي، هؤلاء أيضاً هم نتاج ثقافة السلام ذاتها التي بشرت بها أجهزة
الإعلام، وحرصت المناهج الدراسية التي عملت على تكريسها من خلال تشكيل إدراك جديد
((يتوافق)) مع أوهام السلام التي استجدت.
الرسالة التي بعثت بها الجماهير من
خلال غضبها وتظاهرها هي أن السلام لايمكن أن تقوم له قائمة ما دام الظلم لايزال
مستمراً والاحتلال لايزال ماثلاً.
وأي سكون من جانب الجماهير إزاء ما
يجري لاينبغي أن يفسر بحسبانه قبولاً أو تأييداً، لكن نوع من الاختزان والترقب،
لأي فرصةة يمكن من خلالها الإعلان عن الاستياء والرفض.
ولنا في تجارب حروب التحرير عبرة
فالفيتناميون العزل هزموا الولايات المتحدة الأقدر، الجزائريون المجاهدون هزموا
فرنسا، والأفغان هزموا الاتحاد السوفياتي وأحدثوا زلزالاً في بنيانه أسهم لاحقاً
في إسقاطه، والسود هزموا النظام العنصري المتجبر في جنوب أفريقيا.
لسنا دون هؤلاء جميعاً، وحكاية الخلل
في الموازين العسكرية ينبغي أن تهمنا لاريب، لكنها ينبغي ألا تخيفنا، لأننا
نملك الكثير من عناصر القوة، ناهيك بأننا لسنا بالضعف الذي يتوهمه البعض.
إن إيماننا بالله سبحانه وتعالى،
وثقتنا في أنه ينصر من ينصره، عامل من المهم استحضاره والتذكير به في هذا
السياق. وهذا الإيمان هو الذي يصنع من الشهادة أمنية يتطلع إليها المسلم، لا
حباً في الموت، ولكن ثمناً للحياة. ولئن كان الإسرائيليون يملكون القنابل
العنقودية والذرية، فإن القنابل البشرية لاتقل فتكاً ولا تأثيراً، ومادام لدينا
شباب على استعداد للتضحية بأنفسهم فداء لقضيتهم العادلة، فينبغي ألا نهون ولا
نحزن، بل ينبغي أن نكون على ثقة في نصر الله، الذي لايخذل من يلوذ به وينصره.
لقد خسرت الشركات الأميركية ملايين
الدولارات في العالم العربي من جراء المقاطعة الشعبية لمنتجاتها، وفي مصر تعرضت
20شركة كبيرة للإفلاس لهذا السبب، وبعض هذه الشركات قررت تصفية أعمالها ومغادرة
البلاد، لذات السبب.
قلت أن الأمة العربية والإسلامية قوة
بجماهيرها الجاهزة والمستنفرة، وهي قوة بما تملكه من موارد اقتصادية حيوية (يقع
النفط في مقدمتها)، يعمل لها الجميع ألف حساب، ومجرد التلويح باستخدام تلك
الوقة، إذا استدعت الضرورة، لابد أن يكون له أثره الذي يتعذر التهوين منه.
وهم التطبيع الذي ألحت عليه إسرائيل،
واشترطته الولايات المتحدة، بزعم توفير ((الثقة)) بين الطرفين العربي
والإسرائيلي. بينما أريد به في حقيقة الأمر القفز فوق جوهر القضية، وفصل المصير
الفلسطينـي عن النسيج العربي وبعد الانتفاضة أصبح التطبيع مسبّة يتنصل منها
دعاته، كما لاحظنا في عدة كتابات.
أسطورة حركات السلام في إسرائيل،
التي سقط عنها القناع في الأحداث الأخيرة، فلم نسمع لها صوتا يذكر في معارضة
عملية القمع الوحشي للفلسطينيين، وما ذكره بعض زملائنا من أن ثلاثة منهم كتبوا
ثلاث مقالات على ((الإنترنت)) لايغير من الحقيقة، التي تعززها عدة
شواهد، مؤكدة أن ما يسمى بحركات السلام ليس أكثر من تنويع داخل المشروع الصهيوني
لم يتجاوز حدوده، وفي الحقيقة التي يعرفها الجميع باستثناء الذين تورطوا في
تجمعات مماثلة بالعالم العربي، ممن أغمضوا أعينهم وأخفوا رؤوسهم في الرمال، ثم
حاولوا إقناعنا بأن الشمس لم تطلع بعد. وهم معذورون في الواقع، لأن مشكلة أكثر
الذين لايرون الشمس أنهم مصابون أصلاً بالعمى!