Radio Islam - Ahmed Rami - راديو إسلام أحمد رامي - Morocco - Maroc - -  Hweidi - Houeidi - Houidi - Sadat - Islambuli -
HOME- Islambouli
عندما تسود الخيانة و يعم الفساد و تكم الأفواه
 لا يبقى الا ما فعله خالد الاسلامبولي و رفاقه ...

فهمي هويدي

مــا الــحــل ؟
إنها كارثة أمة تتآكل أمامنا مادياً و
معنوياً، ونحن لاهون أو ساكتون
!

 مقالات للكاتب فهمي هويدي
عرفته الصحافة العربية كاتباً ومفكراً يحمل هموم الأمة الإسلامية والعربية، واستطاع بقلمه أن ينفذ عبر كل العصور
 محللاً ومفكراً له آرائه الصادقة المعبرة عن نبض الأمة دون خوف أو انكسار،إنه الكاتب والمفكر فهمي هويدي



حرب
إعلامية يهودية

9 مايو2002

 

هذه مصادفة دالة وكاشفة، ففي اسبوع واحد تقرر تجميد الخطة الاعلامية العربية التي وضعت لكشف حقيقة الممارسات الاسرائيلية امام الرأي العام العالمي، بسبب العجز عن توفير مبلغ عشرين مليون دولار اقترحت لتمويلها، في حين اعتمدت احدى لجان الكونغرس الاميركي مبلغ 245 مليون دولار لتمويل خطة اعلامية اخرى لغسل ادمغة العرب من خلال مشروع جديد للبث التلفزيوني والاذاعي باللغة العربية. 

خبر “التجميد” نقلته إلينا “الاهرام” في 23/4، مشيرا الى ان الخطة المذكورة تم الاتفاق عليها في اجتماع “طارئ” لوزراء الاعلام العرب، عقد مع بدء الانتفاضة الفلسطينية، التي تفجرت عقب اقتحام شارون للمسجد الاقصى في 28 سبتمبر/ ايلول عام 2000. لكن لأنه لا توجد بنود تلزم الدول الاعضاء بسداد حصصها في الخطة، فان عملية التنفيذ لم تتقدم خطوة واحدة الى الامام، الامر الذي ادى الى توقفها والى استقالة الدكتورة حنان عشراوي التي كان الأمين العام لجامعة الدول العربية قد اختارها مفوضة لتحمل مسؤولية تنفيذ الخطة. ومما اثار الانتباه في الخبر الذي نشرته “الاهرام” بهذا الخصوص، انه اشار الى ان الدول العربية (التي اتفق وزراء اعلامها على وضع الخطة) آثرت ان تعمل كل منها منفردة من خلال سفاراتها وقنواتها الخاصة، الامر الذي ترتب عليه اجهاض الخطة الجماعية فور وضعها. 

الخبر الاميركي نشر بعد ثلاثة ايام فقط، في 27/4، وجاء فيه ان لجنة العلاقات الدولية في الكونغرس أعدت مشروع قانون اطلق عليه برنامج “دبلوماسية الرأي العام”، واعتمدت له ذلك المبلغ، لكي يمول عملية البث المقترحة التي ستتواصل لمدة 24 ساعة يوميا، وتغطي منطقة الشرق الاوسط كلها، متبنية خطابا يستهدف تقديم وجهات النظر الاميركية الى المستمعين في المنطقة، على نحو يحسن صورة الولايات المتحدة، ويمتص مشاعر الغضب والكراهية التي تكنها شعوب المنطقة للسياسة الاميركية. 

أن شئت فقل انها حرب باردة جديدة تشنها الولايات المتحدة واسرائيل لتجميل الصورة وتسويغ المقاصد والتستر على الجرائم الوحشية التي ترتكب على الارض. 

في منتصف شهر شباط الماضي ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” ان وزارة الدفاع الاميركية انشأت مكتبا جديدا ل “التأثير الاستراتيجي”، قامت فكرته الأساسية على تقديم معلومات الى اجهزة الاعلام والرأي العام، تتضمن مواد اخبارية زائفة للتأثير على الرأي العام، في ما وصف بأنه “حملة سوداء” للتضليل المتعمد، الذي استهدف تسويغ السياسة الاميركية، خصوصا حملتها العسكرية ضد افغانستان. 

ليست مصادفة ان تلجأ وزارة الدفاع الاميركية الى انشاء مكتب “للتأثير الاستراتيجي”، وان تقرر الولايات المتحدة اثناء الحرب العالمية الثانية عام 1941م، انشاء مكتب “الخدمات الاستراتيجية”، الذي كان التضليل احد اهدافه، ومن يطالع كتاب “الحرب الباردة الثقافية” لمؤلفه الاميركي فرانسيس سوندر، يكتشف ان ذلك المكتب كان النواة التي بدأت بها المخابرات المركزية، ويدهش للكيفية التي مورست بها تلك الحرب في مجالات الاعلام والفنون والآداب، واستخدمت لأجلها اسماء كبيرة واصدارات محترمة، ومؤسسات قامت بأدوار مهمة في حياتنا العقلية والثقافية. 

لم تكتف الولايات المتحدة بمخاطبة الحكومات والأنظمة، لكنها عنيت في وقت مبكر بمخاطبة المجتمعات والرأي العام. في السابق كانت العملية تتم من خلال واجهات لا تثير الشك، وبأسلوب لا يخلو من الاحتيال والمداراة. ربما لأنها كانت تواجه في “الملعب” ذاته ندا قويا مثل الاتحاد السوفياتي، مما اقتضى ممارسة درجة من الاحتياط والحذر. لكننا نلاحظ الآن ان العملية تتم بقدر اكبر من الجرأة والوجه المكشوف. فالسفارات الاميركية هي التي توزع على الشخصيات العامة في مكاتبهم وبيوتهم المطبوعات والأشرطة التي تسوغ سياسة الحكومة الاميركية. 

ولم يكتف الاميركيون بمحاولة اختراق عقولنا ومدارك مجتمعاتنا فحسب، وإنما ارادوا تطويع ألسنتنا ايضا، بحيث يفرض علينا ان نتكلم لغتهم، ونكره ما يكرهون، ويصرون على ان نصف ابطال العمليات الاستشهادية بالإرهابيين او الانتحاريين، وقد وصل الامر الى حد تصدي رئيس الولايات المتحدة بنفسه للمسألة وتعميمه “فتوى” على الكافة تقرر انهم انتحاريون وليسوا شهداء! 

لا غرابة في ذلك، فحين يصرون على حذف ابواب الجهاد من مقومات الثقافة الاسلامية، ويدعون الى عدم ترديد الآيات القرآنية التي تفضح ممارسات بني اسرائيل، ويطالبون بإسقاط اسم صلاح الدين ودوره في تحرير القدس من كتب التاريخ، حين يفعلون ذلك ولا يردون او يردعون، فينبغي الا نفاجأ بهم وهم يدققون في ما نتفوه به او نكتب، ويطالبوننا باستخدام مفردات ومصطلحات بذاتها، مما يروجون له في خطابهم السياسي. وتجدر الاشارة هنا الى ان المنظمات الصهيونية في الولايات المتحدة تخوض الآن معركة شرسة ضد بعض الصحف الاميركية بهذا الخصوص، وتستخدم العديد من الوسائل وتمارس كل ما تملك من ضغوط لاجبار تلك الصحف على استخدام لغة معادية للفلسطينيين، تصف الفدائيين مثلا بأنهم ارهابيون وتعتبر الضفة الغربية ارضا “متنازعا عليها” وليست ارضا محتلة، وتصنف الاجتياح الاسرائيلي للضفة بحسبانه دفاعا عن امن اسرائيل وملاحقة للارهابيين.. وهكذا! 

وبرغم ان الاعلام الاميركي في مجمله تحت الهيمنة الصهيونية، وجدت بعض الصحف نفسها مضطرة الى تسجيل بعض جوانب الحقيقة حول الفظائع التي جرت في الضفة الغربية، فثارت ثائرة المنظمات الصهيونية والموالية لاسرائيل، التي شنت على تلك الصحف حملة ترهيب شعواء، واتهمتها بممالأة الارهاب والتحيز لصالح الفلسطينيين. 

في هذا الصدد بثت وكالة الانباء الفرنسية في 25/4 تقريرا قالت فيه ان مجموعة من النشطاء السياسيين اليهود في مدينة بوسطن قاموا بحملة شعبية واسعة، للتأثير على الصحف والصحافيين لمنعهم من اتخاذ مواقف حيادية من الصراع الاسرائيلي الفلسطيني تحت عنوان “مكافحة التحيز لصالح الفلسطينيين”! 

وأعلنت هذه المجموعة يوم الاربعاء اول أيار يوما اميركيا فيدراليا لمحاربة هؤلاء الصحافيين، وسيتم فيه التركيز على مقاطعة صحيفة “نيويورك تايمز” بالذات لكونها تشهد “تحولا خطيرا لصالح الفلسطينيين”. وينوون دفع المشتركين في الصحيفة الى الاتصال بإدارتها في هذا اليوم والاعلان عن قطع الاشتراك فيها الى الأبد او لمدة شهر واحد على الأقل، ويقولون انهم يطمحون للوصول الى 100 الف اتصال كهذا، “حتى ترتدع الصحيفة وتدرك خطورة افعالها”. 

لم أكن اعرف ان اليهود الاميركيين انشأوا في اميركا مؤسسة باسم “التصحيح الاعلامي”، وهي واحدة من مؤسسات اخرى كثيرة تقوم بمهمة مراجعة محتويات الصحف وكل وسائل البث، ورصد ما فيها من معلومات او اشارات تتجاوز ما تعتبره خطوطا حمرا في تغطية الاخبار والتقارير المتعلقة بالصراع العربي الاسرائيلي. وبطبيعة الحال فان اي تعبير لا يتبنى الموقف الاسرائيلي او ان يشك في حياده يعد تجاوزا لتلك الخطوط، ويستتبع بالتالي ادراج الكاتب او الصحيفة في قوائم سوداء تمهيدا لابتزاز وتهديد اي منهما. 

وفي 30/4 نشرت “الشرق الاوسط” انه في لوس انجليس اوقف الف شخص اشتراكاتهم في صحيفة “لوس انجليس تايمز” لمدة يوم احتجاجا على ما اعتبروه “تغطية غير دقيقة منحازة للجانب الفلسطيني”. وفي نيويورك ناشد الكثير من اعضاء الجالية اليهودية القراء مقاطعة صحيفة “نيويورك تايمز”، اما في مينا بوليس، فقد اشترت منظمة تدعى “سكان مينيسوتا المناهضون للارهاب” صفحة كاملة في صحيفة “ستار تريبيون” اتهمت عبرها الصحيفة برفض اطلاق تسمية “ارهابي” على الفدائيين الفلسطينيين. 

وقال مايكل غيتلار، محقق الشكاوى في صحيفة “واشنطن بوست” انه ظل يتسلم خلال الايام الاخيرة ما يزيد على مئة مكالمة ورسالة بريد الكتروني في اليوم يتهم معظمها الصحيفة بإجراء تغطية منحازة الى الفلسطينيين ومناوئة لاسرائيل. اما نيد ووريك، محرر الشؤون الخارجية بصحيفة “فيلادلفيا انكويارار” فقد ذكر ان الصحيفة تعرضت خلال الفترة الاخيرة ل “سيل من الانتقادات” من الجالية اليهودية المحلية وقال انه ظل يتسلم ما بين 100 و120 رسالة بريد الكتروني يوميا في ما يبدو انه حملة دقيقة الترتيب ومتواصلة. 

امام ضغوط اللوبي الصهيوني على “واشنطن بوست”، فان الصحيفة اوفدت مندوبا خاصا الى اسرائيل، (نجلين فرانكلين) ونشرت على صحفتها الاولى تقريرين اخباريين عن آثار الهجمات الفدائية على الاسرائيليين، لكي توازن بهما ما نشرته الصحيفة ذاتها عن الجرائم الاسرائيلية في جنين وبقية مدن الضفة الغربية، ومع ذلك فان ذلك لم يغفر لها ما “اقترفته” حين تحدثت عن حقيقة ما يجري في جنين، وظلت تتلقى يوميا مئات الرسائل الالكترونية الناقدة لها، التي ذهب بعضها الى حد اتهام محرريها بالعداء للسامية. 

من مفارقات المشهد وتداعياته ان بعض السفراء العرب في واشنطن اعدوا بيانا شرحوا فيه رؤيتهم للقضية العربية، واتفقوا على نشره كإعلان مدفوع الأجر في احدى الصحف الاميركية الكبرى، غير ان الصحيفة عجزت عن نشره، وأعادته في اليوم التالي الى ممثل السفراء العرب، قائلة ان اللوبي الصهيوني علم بالأمر، وهدد في حالة النشر بسحب اعلانات من الصحيفة تفوق حصيلتها عشرات المرات قيمة صفحة اعلان السفراء العرب. 

وأثناء الاجتياح الاسرائيلي لمدن وبلدات الضفة الغربية، قامت شركة “ميكروسوفت” العالمية لاعداد برامج الكمبيوتر بحملة اعلانية في مختلف المدن الاسرائيلية، وتل ابيب في مقدمتها، حيث علقت لافتات كبيرة كتبت عليها بالحرف العريض عبارة تقول: شكرا لقوات الأمن الاسرائيلية! ولم يكن لتصرف شركة ميكروسوفت المعادي للفلسطينيين اي صدى في العالم العربي والاسلامي التي تروج فيه منتجاتها. 

لست ألوم الذين يثابرون ويستنفرون للدفاع عن مصالحهم او حتى باطلهم، فهم يقومون بما عليهم تجاه انفسهم. لكن من يستحق اللوم حقا هو من يفرط في حقه ويتقاعس عن الدفاع عنه، ويضن على امته بإسهام متواضع يدفع عنها بعضا من الشرور التي تستهدفها.
فهمي هويدي


الاختراق اليهود ي للصحافة

2003/11/15

القاهرة- خالد السرجاني**

فهمي هويدي

مرة أخرى عادت معارك الاستقطاب الثقافي الذي يبدو أنه صار مرضا مصريا مزمنا. والجولة الأخيرة لهذه المعارك جاءت على خلفية سلسلة مقالات للكاتب الصحفي الكبير فهمي هويدي بدأها بمقال "الاختراق وسنينه" حول الاختراق الأمريكي للصحافة العربية، أشار فيها إلى إستراتيجية أمريكية لتحسين صورتها في الوطن العربي من خلال دعم صحف خاصة تخصص نسبة ضئيلة من مادتها الصحفية لهذا الغرض، أما الباقي فيخصص للموضوعات الصحفية الاعتيادية مع التركيز على نشر الليبرالية.

انقسام في المشهد الصحافي

وقد تزامن ذلك مع صدور العدد الأول من صحيفة جديدة تصدر في مصر بترخيص أجنبي هي "نهضة مصر" شعارها الرئيسي هو "الليبرالية طريقنا إلى المستقبل"، وقد رد عليه د. عبد المنعم سعيد أحد كتاب هذه الصحيفة (وهو مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية أيضا) مستخدما خطابا تهكميا استعلائيا، وخصصت الصحيفة في عددها الثاني مساحات واسعة للرد على فهمي هويدي، وكأنها تعلن للقراء من خلال ذلك عن أنها هي المقصودة بالتقرير الأمريكي، الأمر الذي زاد من شكوك المثقفين المصريين تجاهها وأكد شكوك هويدي التي كان قد أعلن عنها دون أن يحدد صحيفة بعينها، وبلغ الأمر إلى حد رفض العديد من الكتاب والصحفيين المصريين الكتابة بها أو التعاون معها تحريريا، وبرز الاستقطاب في المقالات المتبادلة بين فهمي هويدي وعبد المنعم سعيد وباقي كتاب الجريدة وعلى رأسهم ناشرها عماد الدين أديب، وآخرين مثل عبد العال الباقوري في صحيفة العربي، وعززت نقابة الصحفيين موقف هويدي بتخصيص ندوة لمناقشة الموضوع جعلته متحدثا رئيسيا فيها.

والملاحظ على هذا السجال الحاد عدة أمور أولها أن الطرف الرافض استدعى إلى الذاكرة تفاصيل "الحرب الثقافية الباردة" التي استخدم فيها الأمريكان وسائل الإعلام والثقافة، أما الطرف الآخر فأخذ يذكرنا بتاريخ وتجربة حركة طالبان الأفغانية، وكأن الاختيار المتاح أمامنا هو بين بوش وعصابته من الصقور الجدد أو حكم طالبان بغض النظر عن أن التذكير بطالبان جاء غمزا ولمزا في توجه فهمي هويدي الإسلامي، وبلاغ أيضا لمن يهمه الأمر، فهمه البعض على أنه إشارة إلى الولايات المتحدة بأن "الطالبانيين العرب" فقط هم من يرفضون الإستراتيجية الأمريكية في تدجين العقل العربي، رغم أن فهمي هويدي نفسه لم يتردد في نقد تجربة "طالبان" سواء في مقالاته أو في كتابه "طالبان.. جند الله في المعركة الغلط"، فضلا عن أن حكومة طالبان نفسها رفضت زيارته لأفغانستان.

مفردات الأزمة

والمشكلة في هذا الجدل أنه لم يدخل في عمق القضية محور النقاش، وهي المتعلقة بإمكانيات اختراق الصحافة المصرية من خلال صحف تدعمها الولايات المتحدة، وأيضا ما إذا كان التيار الأمريكي في النخبة المصرية لديه المصداقية التي تمكنه من تحسين صورة الولايات المتحدة. ومدى قدرة وقبول الليبراليين المصريين على أن يكونوا قاعدة تؤسس عليها الولايات المتحدة إستراتيجيتها الدعائية في المرحلة المقبلة. ومحصلة هذه النقاط الثلاث تعطي لنا مؤشرات حول دور الصحف الجديدة "مثل نهضة مصر وغيرها" في إستراتيجية الولايات المتحدة التي تهدف إلى تحسين صورتها في الوطن العربي.

والحاصل أنه لا بد أن الخبراء الأمريكيين الذين أعدوا الإستراتيجية الأمريكية -التي أشار إليها الأستاذ فهمي هويدي نقلا عن تقارير نشرتها عدة صحف- على إدراك ووعي بعدد من المعطيات ذات الدلالة وفي مقدمتها نسبة الأمية المرتفعة بالوطن العربي، وعلى الأخص في مصر، وانخفاض أعداد قراء الصحف والمجلات حتى بين المتعلمين، وهو ما يجعل تأثير الكلمة المكتوبة ضئيلا إلى حد كبير، إضافة إلى ما هو واضح من مدى تدني شعبية الولايات المتحدة في الدول العربية كافة على النحو الذي أكدته استطلاعات رأي متعددة أجرتها معاهد ومؤسسات أمريكية، والذي يرجع لأسباب متعددة في مقدمتها الانحياز الأمريكي السافر لإسرائيل، ودعمها لسياسة حكومة إريل شارون، وعداء السياسة الأمريكية للإسلام لا فرق بين معتدل ومتطرف، واحتلالها للعراق وما سبقه من مقدمات، وهذه كلها أسباب لا يمكن لأي صحيفة مهما بلغ أداؤها المهني، ومهما بلغت أرقام توزيعها، أن تغيره لأن هذا الأمر يتطلب أجيالا كاملة، ورهن بحدوث تغيير نوعي في السياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط وهو أمر مستبعد على كل من المدى القصير والمتوسط، من هنا يستطيع المرء أن يتصور أن هناك أسبابا أخرى كامنة وراء هذه الإستراتيجية الدعائية ويستطيع المرء لأول وهلة أن يستكشف سببين: الأول اختراق النخبة الصحفية من خلال توظيفها في هذه الصحف، بما يؤدي بهم بالتبعية إلى تنفيذ نفس الإستراتيجية في صحف أخرى يعملون بها، أو من خلال منابر أخرى يطلون منها على القارئ، وهو ما يمكن أن يفسر لنا أسباب الحرص على جذب صحفيين وكتاب من تيارات فكرية وصحفية متعددة، وهذا الجذب يحقق هدفا آخر فرعيا وهو تأكيد عدم عزلة التيار الذي يصدر هذه الصحيفة -نهضة مصر مثلا أو غيرها- وانفتاحه على التيارات الأخرى، وقد يفيد ذلك في شق صفوف هذه التيارات وهي بالتأكيد مناوئة للولايات المتحدة وبالتالي تصدير التناقضات إليها.

أما الثاني فهو شغل النخبة الثقافية والصحفية بقضايا داخلية، ينسون خلالها القضايا ذات الأهمية مثل السياسة الأمريكية في العراق، وفلسطين وغيرها، ليصبح الصراع مصريا - مصريا، وليس صراعا مصريا - أمريكيا. وهي إستراتيجية أمريكية معروفة صدر عنها أوراق رئاسية، منها ما صدر في سبتمبر 2002 حول محاربة الإسلام من الداخل، أي أن تتولى مؤسسة الأزهر -على سبيل المثال- التصدي للإسلام الوهابي أو العكس لنكون أمام حرب أهلية إسلامية، بدلا من أن يصبح السجال بين الإسلام والغرب على سبيل المثال.

ولسنا بحاجة للتذكير بأن هناك معارك فكرية متعددة دارت في الساحة الفكرية المصرية منها المعركة حول "إعلان كوبنهاجن" بدا فيها كأن أطرافا خارجية استطاعت تصدير تناقضاتها إلى الساحة الثقافية المصرية، لتبدأ حرب داحس والغبراء الثقافية في مصر، والمفارقة أن مثل هذه المعارك غالبا ما غاب عنها آداب الحوار والاختلاف، الأمر الذي ضيع فرصة حدوث أي تراكم معرفي يحول دون معاودة هذه المعارك الفكرية مرة أخرى من نقطة الصفر. ولأن المعركة -هدف اختراق الصحافة المصرية ثم تدجين العقل المصري- نخبوية، فقد تم التعامل معها في النهاية على أنها "خناقات" مثقفين فلم يدر عنها رجل الشارع شيئا وغابت تماما عن اهتمامه.

قراءة في الصحيفة/ الأزمة

على أن قراءة متأنية للصحيفة التي فجرت المعركة -أقصد "نهضة مصر"- تضع أيدينا على ملاحظات مهمة في تحليل  الأزمة، فمن جهة فقد ظهرت أشبه ما تكون بالصحف المدرسية التي يصدرها الطلاب الأيديولوجيون، بما يعني أن تأثيرها سوف يكون محدودا إلى أدنى درجة، لأن الروح الأيديولوجية والدعائية فيها عالية للغاية. ومن جهة أخرى، فإن كتابها في معظمهم، يكتبون في أكثر من منبر واسع الانتشار، وبالتالي فإن خطابهم في الصحيفة بدا كأنه إعادة إنتاج لخطابات سبق أن كرروها في مواضع ومناسبات أخرى مختلفة، وبالتالي فليس هناك جديد تستطيع هذه الصحيفة أن تقدمه على صعيد الأفكار والشخصيات أو التجديد في الفن الصحفي أو حتى الالتزام بأخلاق المهنة واعتماد لغة راقية في الحوار على نحو ما ظهر في هجومها العنيف على خصمها فهمي هويدي.

أما مسألة الليبرالية التي اختارتها الإدارة شعارا للجريدة والتي جزم رئيس التحرير بأنها آتية لا ريب فيها! (وهذا عنوان المقال الافتتاحي: الليبرالية آتية لا ريب فيها) فلم تقدم الجريدة -عبر صفحاتها- خطابا ليبراليا متماسكا يشتبك مع القضايا الداخلية المصرية الراهنة كما قدمت وجهها الذي لا يحظى بالقبول. فهي حين نشرت مقالات عن فكرها الليبرالي كانت المقالات الرئيسية لمفكرين وكتاب رحل أكثرهم قبل نصف قرن (سلامة موسى ومحمد مندور!) وحين أرادت أن تقدم وجوها جديدة غاب المفكرون والكتاب الليبراليون الحقيقيون الذين لهم مصداقية كبيرة مثل سعيد النجار (أستاذ الاقتصاد ورئيس جمعية النداء الجديد الليبرالية) وعاطف البنا (أستاذ القانون الدستوري بحقوق القاهرة) واستعانت الجريدة بزمرة من المدافعين عن السياسة الأمريكية والمعروفين بانحيازهم السافر لها وشدة الانتقاد لكل معارضيها وهو ما حاول طاقم التحرير موازنته من خلال ترجمة مواد صحفية أمريكية تنتقد السياسة الأمريكية بصورة حادة.

والملاحظ أن ليبراليي جريدة "نهضة مصر" من الملتصقين بالسلطة المصرية من خلال عضويتهم في العديد من المؤسسات الحزبية والحكومية وعلى رأسها لجنة السياسات بالحزب الوطني الذي لا يقدم نفسه كحزب ليبرالي. وقد حال هذا الالتصاق بالسلطة، وهو سلوك غير ليبرالي، دون أن تناقش الجريدة "الليبرالية" بجدية القضايا المتعلقة بالإصلاح السياسي، ولم تبتعد الموضوعات القليلة التي عالجت الإصلاح السياسي عن جدول أعمال الحزب الوطني وجاءت في قالب حواري مع وزير التعليم في حكومة الحزب الحاكم (حسين كامل بهاء الدين) ومع أمين تنظيمه (كمال الشاذلي)!.

ورغم دعوة كتاب الجريدة إلى العلمانية -بصورة علنية- واعتبارها أحد المرتكزات الرئيسية لمواجهة الفكر "الطالباني"، فإن الجريدة اضطرت إلى أن تناقض نفسها، بدعوتها -في كل أعدادها- إلى إعادة الاعتبار لخطابات دينية اعتبروها معتدلة مثل خطابات محمد عبده وخالد محمد خالد والشيخ محمد الغزالي؛ الأمر الذي أوقعهم في براثن التوفيقية والتلفيقية، فالمناداة بالعلمانية كانت تستدعي إسماعيل أدهم وإسماعيل مظهر وعصام الدين حفني ناصف وأحمد لطفي السيد وسلامة موسى ولويس عوض وحسين فوزي، وليس ممثلين للتيار الديني بعضهم كان من أشرس خصوم الدعوة العلمانية مثل الشيخ الغزالي؛ الأمر الذي يؤكد التشوش الفكري لهذا التيار أو عدم جرأته على طرح قضية العلمانية في السياق المصري الحاضر.

من هذه المعطيات نستطيع القول إن ما أثير من ضجة حول هذه الجريدة، أعاد الانقسام إلى الساحة الثقافية المصرية بما يعطي فرصة للمزيد من الفرز، وهذا الفرز قد يؤدي إلى تأكيد انعزال هذا الفصيل من التيار الليبرالي، أو بتعبير أكثر صدقا الليبرالي المتأمرك، وهو فرز قد يؤدي في النهاية إلى أن تنضم صحف مصرية وعربية إلى سابقتيها في مسلسل اختراق وتدجين المنطقة وإدخالها في حظيرة الثقافة الأمريكية: مجلة "هاي" الأمريكية الصادرة بالعربية، وإذاعة "سوا" الأمريكية أيضا، غير أن الأولى تصدر دون أن يدري بها أحد، في حين ينحدر عدد مستمعي الثانية إلى رقم متدن.


 

وسط سحب الحرب والتضليل الإعلامي: 

مراقبة الإعلام.. كيف تبطل سحر الآلة الإعلامية؟ 

2003/03/31

داليا يوسف**

المراقبة الإعلامية تواجه حالة الاستلاب أمام وسائل الإعلام 

الجريدة الصباحية التي تتصفحها يوميا قد تحمل ما يتفق أو يختلف مع قيمك وقناعتك، وأحيانا مع جانب من الحقائق التي تدركها، وقد يأتي ذلك في أشكال مختلفة مباشرة (في مقال رأي أو تحليل أو...)، أو بشكل غير مباشر (في إعلان أو تعليق على صورة أو...). البرنامج الإذاعي أو التلفزيوني الذي تتعرض له قد يمثل الأمر نفسه؛ فهل فكرت في التفاعل بشكل مختلف مع هذه المتابعات حتى تعدل من أداء الوسائل الإعلامية المختلفة؟!

هذا جانب أصيل مما تقدمه تجارب كثيرة، منها تجربة "شبكة التقرير الإعلامي"Media Review Network، وهي التجربة التي تعرفنا عليها في جنوب أفريقيا، والتي أنعش ذاكرتي ودفعني للكتابة عنها بيان الصحفيين المصريين الذي صدر مؤخرا احتجاجا على التغطية الإعلامية للحرب ضد العراق في جريدة الأهرام، والجدل الذي ثار -رغم حرج اللحظة التي نمر بها- حول تغطية بعض الصحف الرسمية والقنوات الفضائية، بما يدفع للتحليل والمراجعة.

وتجربة "شبكة التقرير الإعلامي" MRN باختصار تتعامل مع ما يعرف "بالمراقبة الإعلامية".. التي ربما تفرضها اللحظة التي نعيشها مع غيرها من تجارب يمكن أن تجعلنا أكثر قدرة على التأثير، وهو ما نحتاجه أكثر من أي وقت مضى.

لقد ذكر أحد الخبراء الإعلاميين أنه يجب اعتبار الإعلام والاتصال "كوسيلة للتغيير قابلة للتغيير".. ماذا يعني ذلك؟!

يعني أن الإعلام والاتصال.. هذا القطاع الهائل له قدرة فائقة على تشكيل الوعي وإدارة المواقف، بل إن البعض قال: "إن الاتصال بات من أدوات الصراع فيما بين الدول، ناقلا لعناصر القوة في الدول وعاكسا لها"، هذه القدرة الفائقة على التأثير يمكن التعامل معها والتأثير فيها إذا ما أخلت بالدقة والموضوعية، أو أضرت بمصالح وقيم البعض؛ وهو ما يمكن أن يحدث إذا ما قرر هؤلاء المتضررون أن يؤثروا في المعالجة والتغطية، ويكونوا شركاء فاعلين في الرسالة الإعلامية التي تصلهم.

يستطيع كل منا أن يصبح مثل أبطال الروايات الأسطورية، ويبطل مفعول الساحرات، ويحرر البشر.. يحررهم من سحر الآلة الإعلامية التقليدية التي قد تصل إلى درجة من السيطرة تسلبنا القدرة على الفهم والتحليل.. بل تمنعنا من الوصول إلى معلومات صحيحة في بعض الأحيان؛ لنظل مستلقين أمامها نتلقى يوما بعد يوم الرسائل باتجاه واحد غير عابئين بما تحدثه هذه الرسائل من تغيير في تصوراتنا ومفاهيمنا عن أنفسنا وعن الآخرين، بل إننا أحيانا لا نلتفت إلى قدرتها على تهديد مصالحنا.

وهنا تبرز التجربة لتقول: إنه يمكننا ممارسة هذه المراقبة لوسائل الإعلام.. ليس بالمعنى المعهود المقيد للحريات، وإنما بما يفترض من تفعيل لدورنا كمتابعين وينقلنا من التلقي السلبي إلى التلقي الإيجابي وبما يراعي المصالح ويحافظ على القيم.

الدخول إلى التجربة

مكتب بإحدى البنايات الصغيرة في بريتوريا بجنوب أفريقيا ما إن تدخل إليه حتى يستلفت نظرك الكم الكبير من الملصقات والمعلقات التي ضمت رسوما كاريكاتورية.. مقالات.. تعليقات أغلبها متعلق بالقضية الفلسطينية، وبالعقوبات المفروضة على العراق (الآن حرب مفروضة عليها)، وبوضع المسلمين في جنوب أفريقيا... وقضايا أخرى عديدة عن العدالة الدولية.. عدد كبير من شرائط الكاسيت والفيديو للقاءات تلفزيونية ومؤتمرات عامة.. عدد من أجهزة الكمبيوتر.. خزانة ممتلئة بكتب عديدة من تجارب التحرر الوطني إلى مقارنة الأديان.. فريق من العاملين عدده محدود، لكنه يملك وجوهًا تحمل قدرا عاليا من الود ونبرات صوت تمتلئ حماسة..

كان هذا هو مكتب "شبكة التقرير الإعلامي" Media Review Network  "أكثر من مليون مسلم يعيشون في جنوب أفريقيا، في الماضي -وبشكل مستمر- كان الإعلام يرسم صورتنا: من نحن؟ وماذا نمثل؟ ليقدمها للمجتمع بجنوب أفريقيا، وبذلك ففي كثير من الأحيان تعرضت آراؤنا ومواقفنا السياسية بل مصالحنا الإستراتيجية للتجاهل أو للتشويه.. إننا في شبكة التقرير الإعلامي وعبر عدد من الأفراد بالتعاون مع بعض مراكز البحث نعتقد أنه من الضروري وسط التغير السياسي والاجتماعي المتلاحق في جنوب أفريقيا ألا تتوه حقيقة الإسلام وسط تلميحات غير دقيقة أو تجاهل.. وكمسلمين فإننا نحتاج إلى أن نعرض آراءنا ووجهات نظرنا بشكل يومي وبإيقاع منتظم روتيني وليس كاستثناء، وطموحنا أن نبدد الأساطير والقوالب عن الإسلام والمسلمين، وأن نبني جسورا للتفاهم. إن حضورا دائما لوجهة نظر المسلمين في القضايا المؤثرة بجنوب أفريقيا شرط لفهم وتقدير أكبر للإسلام".

كانت هذه هي مقدمة التعريف بالشبكة.. فالتحدي الذي يواجه المسلمين بجنوب أفريقيا يتمثل في كونهم أقلية (ساهمت في النضال والتحرر الوطني بما أكسبها ثقلا واحتراما) قد يسلمها الاعتماد على الصورة التي يقدمها الإعلام لهم إلى سوء الفهم أو التهميش، وبينما نجح المسلمون هناك في إيجاد بنية تحتية قوية من المؤسسات والمساجد والمدارس؛ فقد بقيت الحاجة إلى ما يواجه التحديات التي يمثلها النظام الإعلامي المعقد.

المزيد عن الأهداف

إحدى رسوم الكاركتير على موقع شبكة التقرير الإعلامي 

"نعم.. إننا نهدف إلى مراقبة وتحليل، وأحيانا تصحيح التشويهات المتعلقة بالإسلام والمسلمين في وسائل الإعلام، وهذا التقرير الإعلامي الذي تتخذ الشبكة منه اسما لها.. قد يأخذ شكل التقارير الدورية إلى المؤسسات الإعلامية في جنوب أفريقيا أو الشكاوى والرسائل بشكل مباشر إلى الصحف ومحطات الإذاعة والتلفزيون".

هذا ما أجاب به "إقبال جازت" رئيس شبكة التقرير الإعلامي MRN حينما سألته عما تصدره الشبكة من تقارير وتعليقات.

ربما كانت هذه هي الأجواء والدوافع لتجربة "شبكة التقرير الإعلامي" بما دفعهم للتركيز على التغطيات والصور الإعلامية التي تقدم للإسلام والمسلمين، ومواجهة ما يعرف بـ"الإسلاموفوبيا" أو "الرهاب من الإسلام"، سواء ما يتعلق بالشأن المحلي وشئون الأقلية المسلمة هناك أو معالجة القضايا ذات البعد الدولي، مثل القضية الفلسطينية أو الأزمة العراقية أو كشمير أو... بتقاطعها مع رسم صورة الإسلام والمسلمين.

وبالطبع فقد يرى البعض أنها أجواء تتسم بخصوصية الوضع هناك في جنوب أفريقيا؛ فماذا عن التكنيك والوسائل التي تستخدمها "شبكة التقرير الإعلامي"، التي يمكننا الاستفادة المباشرة منها.. كل وفق ظروفه وقضاياه التي تستوجب المتابعة!

تحول إلى مراقب

المجموعة التي تعمل في الشبكة -وهم من خلفيات ومهن مختلفة- تراقب الصحف اليومية والأسبوعية في مكتبها، محددة قضيتها ومتتبعة أشكال معالجتها.. كما قاموا بتشكيل شبكة من المتابعين للبرامج الإذاعية والبرامج الإخبارية والتلفزيونية والأفلام الوثائقية والتسجيلية، مع تشجيع العامة والمتخصصين للاستجابة مباشرة للتعليق على برامج الإذاعة والمقالات الصحفية.

ويقول إقبال جازت: إن الاتصالات الشخصية مع الشخصيات المحورية -على سبيل المثال من مقدمي وأشهر الضيوف في البرامج التلفزيونية والإذاعية.. والمحررين والصحفيين- تقيم شبكة قوية ندعمها بالقراءات والمواد والمعلومات اللازمة.. ويكمل جازت: أستطيع أن أصف هذه الشبكة بأنها غير رسمية، وبأنها تؤكد قيم الصداقة وبناء الثقة بين الجميع.

تتعدى أنشطة الشبكة في هذا الشأن إلى المشاركة في البرامج الإذاعية والتلفزيونية (اللقاءات والمناظرات)، وترتيب برامج تلفزيونية للناشطين والمتحدثين محليا ودوليا، وإصدار البيانات الصحفية.. ومن جانب آخر تقوم الشبكة بتكوين ما يمكن أن نطلق عليه "جماعات الضغط الإعلامي" Lobbying؛ وذلك بتأسيس مراسلات مع الإدارات الحكومية، والجماعات الطلابية، وجمعيات المجتمع المدني، والأحزاب السياسية، والجمعيات الأهلية، والمؤسسات الإعلامية الأخرى. ويتم إعلام هذه الأطراف وإمدادها بتحليلات وتقارير الشبكة عن الأحداث الجارية والأوضاع السياسية والقضايا الساخنة مثل فلسطين والعراق.

شبكة مراقبة في كل مكان

"شبكة التقرير الإعلامي" لم تكتفِ بعرض تجربتها، وإنما حاولت نشرها وتصديرها؛ فتحت عنوان "كيف يمكنك أن تؤسس "شبكة تقرير إعلامي" في منطقتك؟" جاءت الخطوات التالية:

1- كون مجموعة مهتمين من الأفراد أو الطلاب أو...

2- اقرأ جريدة أو اثنتين، ودقق النظر في المعلومات التي تحمل نزعة ضد الإسلام -بالطبع يمكن أن تحل أي قضية أخرى تهتم بها محل "الإسلامفوبيا"- ويمكن ذلك عبر متابعة كلمات مفتاحية لنشر صور ذهنية سلبية وقوالب جامدة مثل: "الأصوليين، المتطرفين، الإرهابيين، قهر المرأة..."، وهذه الكلمات تعطي دلالة على التحيز.

3- اجعل نفسك على دراية بحقائق قضايا محيطة وملحة بمتابعتك الأساسية؛ وهو ما يعني هنا قضايا مثل: القضية الفلسطينية، كشمير، أفغانستان...

4- قم بزيارة المواقع الإلكترونية التي تحمل مشاريع مماثلة.

5- حاول الاستجابة للمقالات التي تسيء إلى فكرتك، ولتكن هذه الاستجابة مؤسسة على معرفة.

6- استحضر الآية الكريمة: {ادعُ إلى سبيلِ ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن}، وذلك قبل أن تتوجه بالاتصال أو مخاطبة أي من رؤساء التحرير أو المسئولين الإعلاميين لتخاطبه بعد ذلك بالأدب والحزم في آنٍ واحد لتعديل الخطأ أو الإساءة.

7- هاتف الإذاعة أو التلفزيون إذا توفرت لديك المعرفة عن القضايا التي تتم مناقشتها.

8- أرسل فاكسا أو رسالة إلكترونية لمراسلي "شبكة التقرير الإعلامي" للدعم والتوثيق والتشبيك.

9- ادفع الآخرين في محيطك وفي المدارس لفحص المجلات والجرائد، وإرشادهم لمتابعة قضايا الإسلامفوبيا (أو أي من القضايا الأخرى التي تعنى بمتابعتها).

10 - إن التكلفة والمتطلبات لهذه المهمة لا تشكل الكثير: جرائد.. فاكس.. جهاز كمبيوتر واتصال بشبكة الإنترنت.

كانت هذه هي الخطوات التي اقترحها نشطاء "شبكة المراقبة الإعلامية" لتكرار التجربة، وحينما سألت "جازت" عما نحتاجه حقا لتحقيق أهداف هذه التجربة، قال: "تحتاجون إلى جماعة من المهتمين والمؤمنين حقا بالفكرة، ثم مكان (مكتب) للمتابعة.. وكلما تمت الممارسة ازدادت المعرفة بالعوامل المؤثرة في صناعة الميديا".

ماذا عنا؟

مراقبة الإعلام كوسيلة للتغيير والتطوير بدأت تظهر لها نماذج قوية -رغم قلتها- على الصعيد العربي بما يجعلها أكثر تماسكا وتأثيرا من مجرد الاعتراض أو التعقيب على معالجة إعلامية بالإرسال في مساهمات الزائرين أو بريد إحدى الصحف. واللافت للنظر أن تتعدد القضايا التي يمكن مراقبتها بدءًا من الشأن الاجتماعي الأخلاقي، مثل تجربة المجموعة الإلكترونية التي تابعت، وضغطت لوقف إعلان "إيزي موزو"، الذي استفز الكثيرين، مروراً بقضايا تتعلق بالشأن السياسي والأمن العربي، مثل طبيعة التغطية التي قامت بها "الأهرام" (خاصة في الأيام الأولى للعدوان على العراق)؛ وهو ما دفع عددا من الصحفيين إلى مراجعة جريدة الأهرام في البيان الذي أصدروه.

 وإذا كان هذا البيان قد أعده مهنيون محترفون؛ فإن عددا من المشاهدين قد تابعوا وراقبوا القضية نفسها، واستفزتهم إحدى حلقات برنامج "ماسبيرو" الذي يُعرض على القناة الأولى بالتلفزيون المصري في حلقة خصصت عن العدوان على العراق، ومناقشة أشكال مواجهته، وكان الضيوف حديثهم مخيبا للآمال، ومناقضا للرأي العام العربي بما دفع عددا من المشاهدين لإرسال رسالة إلى البرنامج، وتم وضعها على موقع petition online لجمع التوقيعات عليها، وانتهاءً بقضية محورية كبرى، مثل "القضية الفلسطينية" التي خصص عدد كبير من جماعات الاهتمام مواقع لمراقبة المعالجة الإعلامية للقضية؛ ليأتي أغلبها باللغة الإنجليزية مراقبا لوسائل الإعلام الغربية في هذا الصدد، ومنها: Palestinian monitor

 هذه التجارب جميعها تحتاج إلى الدعم والتطوير؛ فإلى هؤلاء جميعا وإلى كل مهتم نُهدي ترجمة عربية لكيفية بناء مشروع للمراقبة الإعلامية تحت عنوان "كيف تؤثر في الصحافة؟" How to impress the press.

يمكنهم الاطلاع عليه والتعديل وفقا للظرف والقضية (شأن اجتماعي، أخلاقي، سياسي، اقتصادي، صحي...)، وللوسيلة التي يتم متابعتها (إعلام محلي، أجنبي أو إعلام مرئي، مسموع، مكتوب...) وللأداة المستخدمة في المراقبة (الرسائل البريدية، الإلكترونية، الاتصال التليفوني، الزيارة الشخصية...).. يمكننا هنا أن نتبادل الخبرات مع الجميع، وأن نفتح أعيننا وآذاننا على التجارب المختلفة؛ فلنبدأ..


"سوا".. السياسة الأمريكية على أنغام البوب

29/12/2002

حسام عبد الحميد **

 

 ربما كانت حرب الخليج الثانية آخر حروب القرن الماضي تجسيدا حيا لما لعبته محطة (CNN) التليفزيونية الأمريكية من تأثير داخل الولايات المتحدة وخارجها في عالمنا العربي، من خلال مخاطبة النخبة أو حتى العامة مستعينة بالصورة؛ ومن هذا المنطلق واسترشادا بالخبرة التاريخية في فترة الحرب الباردة بين الشرق والغرب، حيث لعبت الإذاعات الموجهة تحت الرعاية الأمريكية دورًا تحريضيًّا لشعوب الكتلة الشرقية، كشف الكونجرس الأمريكي الستار عن فكرة قديمة ظهرت قبل أحداث سبتمبر/ أيلول بفترة بعيدة، لكن بعث فيها الحياة لخوض معركة طويلة الأمد مع العالم العربي والإسلامي عبر موجات الـ"إف إم".

ولم يمضِ وقت طويل حتى ظهرت إذاعة "سوا" الأمريكية كأداة من أدوات الحرب الإعلامية ضد العالم العربي، بعد أن نجحت في استخدام الإعلام في صياغة "عقلية" المواطن الأمريكي بعد الأحداث، واستخدامه ضد الشعب الأفغاني أثناء الحرب في أفغانستان؛ حيث كانت تعمل بعض الكتائب الإعلامية جنبا إلى جنب مع الكتائب المدججة بالسلاح، بل إن هذه الكتائب تم تزويدها بطائرات تعمل كمحطات إذاعية متحركة تقوم بإلقاء المنشورات، ومخاطبة الأفغان عبر مكبرات الصوت للتخلي عن طالبان، ولقتل بن لادن، والتعلق بالولايات المتحدة كمخلص للأفغان والبشرية جمعاء.
وحتى لا نستطرد طويلا نعود إلى لب الموضوع، وهو إدراك أمريكا للحدود غير المتناهية للإعلام، وتأثيره، وأهمية التوجه الإعلامي للمنطقة العربية من أجل إحداث تغيير جوهري في العقلية العربية، بعد أن وقفت أمريكا حائرة أمام سؤال فرضته الأحداث، وهو: لماذا يحمل العرب لنا كل هذه الكراهية؟

"سوا".. من المحيط للخليج!!

تعود فكرة إذاعة سوا -التي تعني باللغة العربية الفصحى "معًا"- إلى ما قبل أحداث سبتمبر/ أيلول بفترة طويلة، لكن الفكرة اكتسبت تأييدًا كبيرًا بعد تلك الأحداث، خاصة داخل الكونجرس، وكان نورمان باتيز المدير التنفيذي لـ"ويست ورد وان" التي تعتبر أكبر شركة إذاعية في الولايات المتحدة هو صاحب الفكرة التي يهدف من ورائها إلى كسب جمهور الشباب العربي عبر استخدام برامج شبيهة ببرامج الإعلانات التجارية الهادفة إلى ترويج سلعة ما، ولكن في حالة "سوا" تصبح الأخبار والقيم الأمريكية هما السلعتين موضوع الإعلان.

وقد استهلت إذاعة "سوا" بثها المباشر في مارس/ آذار الماضي 2002 على موجة (FM) والذبذبات القصيرة، فضلا عن موقع الإنترنت، وعن قنوات "نايل سات" و"أرب سات" و"يوتل سات" و"هوت برد"، وهي قنوات إذاعية رقمية تبث البرامج بواسطة الأقمار الصناعية.

وتقدم إذاعة سوا موجزا للأخبار كل نصف ساعة، يتضمن أحدث الأخبار عن السياسة الأمريكية، وتطورات منطقة الشرق الأوسط وبقية دول العالم، ولا يستغرق الموجز أكثر من بضع دقائق، تعود بعدها الإذاعة إلى الموسيقى الراقصة وأغاني البوب العربية والأجنبية؛ حيث تشغل موسيقى البوب نسبة 85% من إجمالي الإرسال، بينما تحتل الأخبار المنتقاة التي تخدم السياسة الأمريكية نسبة 15%.

ويُعتبر هذا الأسلوب في العرض الإذاعي الذي تتميز به "سوا" مختلفًا تماما عن أسلوب "صوت أمريكا" الذي يتضمن البرامج التحليلية الجادة، بالإضافة إلى البرامج الثقافية الأخرى.

وقد حظيت إذاعة "سوا" بموافقة 4 دول عربية للقيام باستقبال إرسالها، وإعادة بثه على موجات الـ"إف إم"، وبذلك أصبحت سوا تتمتع بـ4 نقاط تقوية في كل من: عمان والكويت ودبي وأبو ظبي.

وتعمل إذاعة "سوا" على مدار الساعة بـ5 لهجات عربية محلية من مصر والسودان والعراق والسودان والشام ودول الخليج، وهذا التنوع يعطي الإذاعة جاذبية لمختلف الشباب العربي المستهدف أصلا من قبل الإذاعة التي ربما تسعى في الأيام القادمة إلى استخدام اللهجات الخاصة بدول المغرب العربي أيضا.

"سوا".. مع الشباب

وتُعد إذاعة سوا واحدة من الخدمات الدولية الأمريكية التي يشرف عليها ويمولها مجلس أمناء الإذاعات الدولية الأمريكية، وقد رصد لها 35 مليون دولار، وعلى الرغم من أنها قد بدأت إرسالها برعاية الشقيقة الكبرى "صوت أمريكا".. فإنه سرعان ما تخلت واشنطن عن صوت أمريكا لصالح إذاعة سوا الجديدة لكسب الشباب العربي الذين تقل أعمارهم عن 30 عاما.

ولذا فإن الإذاعة تعتمد على الإيقاع السريع في أدائها الإعلامي بما يتناسب مع الشباب، وتحمل العديد من الشعارات، التي من جملتها "أجمل الأغاني، وآخر الأخبار.. من المحيط إلى الخليج".. "ابق على تواصل مع العالم".. "استمعوا لنا ونحن نستمع إليكم".. "24 ساعة.. سبعة أيام في الأسبوع"؛ وذلك لجذب المستمع العربي والإمساك به طوال الوقت، خاصة أنها تسعى لأن تعمل بكامل طاقتها لتصبح بديلا عن "صوت أمريكا".

وقد يدعونا تركيز الإذاعة على فئة الشباب إلى طرح السؤال الملح هو: لماذا الشباب؟ إلا أن الإجابة لن تكون من الصعوبة بمكان إذا عرفنا أن فئة الشباب الذين لا يتجاوزون 15 عاما تمثل نصف سكان الوطن العربي، حسب إحصائيات الأمم المتحدة، ويدرك الأمريكيون أن فرصتهم في التأثير على هذا الجيل الذي لم تتبلور توجهاته السياسية والفكرية والثقافية والاجتماعية بعدُ هي أكبر من استهداف الجيل الذي تخطى الثلاثين من العمر. 

سوا أم وجها لوجه؟

ولمعرفة هذه الأهداف يحسن بنا أن نورد تصريحا لمستشار مجلس إذاعة سوا ومدير القسم الإخباري "موفق حرب" في هذا الصدد الذي قال فيه: "لم تنشأ المحطة من منطلق تحسين الصورة.. بل إيجاد صورة غير مشوشة وتعكس الحقيقة؟"، ويقول أيضا: "ليس من واجب أمريكا خصوصا بعد أحداث 11 سبتمبر/ أيلول أن تبادر إلى تحسين صورتها، أو أن تعتذر إلى أي شخص في ظل قتل المدنيين الأبرياء في نيويورك"، لكن الذي لم يقله حرب هو أن هذه الإذاعة جاءت لتواجه الإذاعات العربية التي حشدت جزءًا من طاقتها لمواجهة الآلة الإعلامية الأمريكية وحملتها المعادية للعرب والمسلمين.

وما لم يقله حرب أيضا هو أن هذه المحطة جاءت لتسويق السياسات الأمريكية في منطقة الشرق والعالم، في إطار خطة لفرض الهيمنة الأمريكية ونظام القطبية الأحادية وتحرير العالم العربي والإسلامي من قيمه الذاتية، وإنتاج نسخ عربية جديدة تتماشى مع العولمة الأمريكية من خلال بث القيم ووجهات النظر الأمريكية بين الأغاني والسطور، وليس كدعاية فجة واضحة؛ وهو ما يزيد من خطورتها الإعلامية.

والمتتبع للإذاعة لا يخفى عليه مدى انحيازها تجاه السياسات الأمريكية، وتشددها تجاه الملف العراقي؛ حيث تعكس وجهة النظر الأمريكية التي يعبر عنها صقور إدارة الرئيس بوش، فضلا عن أن هذا الانحياز هو علامة مميزة لأدائها تجاه القضية الفلسطينية، وهي سمة مميزة لكل وسائل الإعلام الأمريكية تقريبا، وبالذات إذاعة صوت أمريكا على مدى ما يقرب من 50 عاما، هي عمر الإذاعة وعمر الصراع العربي الإسرائيلي.

وقد ظهرت العديد من الدعوات لمقاطعة الإذاعة كغيرها من المنتجات الأمريكية، وأضافت بعض اللجان الشعبية لمقاومة التطبيع إلى مهمتها مهمة جديدة، هي مواجهة هذه الإذاعة، وبيان خطرها الثقافي على الهوية العربية والإسلامية، ومقاطعة المطربين الذين تذاع أغانيهم على موجات هذه الإذاعة.

 صوت أمريكا.. ميراث الفشل

ولعله من المفيد أن نرجع إلى الوراء عشرات السنين، نسترجع تاريخ أمريكا والغرب مع الإذاعات الموجهة؛ حيث أولت الحكومة الأمريكية من عشرينيات القرن الماضي اهتماما كبيرا –كغيرها من الدول- لقدرات الراديو كوسيلة للدعاية الدولية، تعمل جنبا إلى جنب مع الدبلوماسية في تحقيق النفوذ والتأثير، وأصبح الراديو منذ ذلك الوقت سلاحا من أسلحة الحرب النفسية، وأداة رئيسية في العلاقات الدولية، واتسع الاستخدام السياسي للراديو خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية. 

وقد وصل عدد الدول التي استخدمت الإذاعات الموجهة بعد الحرب العالمية الثانية إلى 25 دولة، وكان التنافس بين أجهزة الدعاية الألمانية وهيئة الإذاعة البريطانية (BBC) شديدًا جدًّا لاستمالة الجماهير في أوروبا وبقية أنحاء العالم. وقبل انتهاء الحرب كانت الدول المتحاربة والدول المحايدة (55 دولة) تغطي غالبية أنحاء العالم بأكثر من 340 جهاز إرسال، تبث 4275 ساعة أسبوعيا بأكثر من 40 لغة.

وقد بدأت إذاعة صوت أمريكا في تقديم خدماتها المنتظمة الموجهة للعالم العربي منذ عام 1950، وكانت توجه 500 ساعة من البرامج أسبوعيا بـ34 لغة، وعلى خلاف هيئة الإذاعة البريطانية اهتمت إذاعة صوت أمريكا بالأعداء الأيديولوجيين أكثر من الأصدقاء؛ حيث كانت تعمل كناطق رسمي باسم الفرع التنفيذي المسئول عن السياسة الخارجية الأمريكية، وهو جزء لا يتجزأ من وكالة الاستعلامات الأمريكية، وقد كان مكلفا بثلاث مهام رئيسة:

  • أن يعمل كمصدر موثوق به وموضوعي للأخبار.

  • أن يقدم سياسات الولايات المتحدة.

  • أن يقدم صورة جذابة للمجتمع الأمريكي.

ولما كانت الأخبار والتعليقات القصيرة والموسيقى والبرامج الخفيفة من أكثر الأشياء جذبا للمستمعين؛ فقد اعتمدت إذاعة صوت أمريكا هذا الأسلوب مع التركيز على الطبيعة السريعة للمجتمع الأمريكي وتاريخ هذا المجتمع وثقافته، ولا يخفى على أحد الدور الذي لعبته إذاعة صوت أمريكا في شرح السياسة الأمريكية تجاه البلدان المستهدفة، وتبرير سياستها في الشرق الأوسط، وعلى الرغم من القدرة الهائلة التي كانت تتمتع بها إذاعة صوت أمريكا كإذاعة موجهة استخباريا.. فإن تأثيرها في العالم العربي ظل محدودا؛ لأن المستمع العربي لم يكن متلقيًا سلبيًّا إلى هذا الحد، وكان يدرك تماما أن موقف الولايات المتحدة لا بد أن ينعكس بالضرورة على موقف الإذاعة من قضايا المنطقة؛ وهو ما كان يجعله حذرًا في تلقي المعلومات، خاصة أنه يدرك مدى الانحياز الأمريكي لإسرائيل.

 ولعل أبرز مثال على فشل صوت أمريكا في إحداث التغيير المطلوب كان في إيران والعراق التي قالت المصادر الأمريكية: إنهما يدخلان ضمن الحملة التي تقودها أمريكا لإحداث تغيير سياسي فيهما، بعد فشل سياسة الحصار والعقوبات الاقتصادية والتواجد العسكري في منطقة الخليج، ولو كانت الإذاعة قد نجحت فيما سعت إليه -على الأقل فيما يخص إيران والعراق- لما تم إنهاء مهمتها، واستبدال إذاعة جديدة بها ترغب أمريكا في أن تنطلق إشاراتها إلى العالم العربي، وهي متحررة من أي ميراث للفشل.

ا


**  مراسل صحفي ـ بالدوحة

 


إذاعة الغد تواجه "مرك بر أمريكا" (*)

2003/01/12

مطيع الله تائب**

 

"راديو فردا راديوي نسل فردا"، "بهترين آهنكهاي إيراني وغربي از راديو فردا"، "بهترين آهنكها وآخرين خبرها از راديو فردا".. هذه الإعلانات تتخلل صخب أغاني البوب الأمريكية والإيرانية ونشرات الأخبار التي تذيعها إذاعة "فردا" (الغد الأمريكية باللغة الفارسية) وهي موجهة للشباب الإيراني، وقد بدأت بث برامجها الخميس 19-12-2002 من العاصمة التشيكية براغ.

الإذاعة كما تعبر عنها إعلاناتها إذاعة الجيل القادم "إذاعة الغد إذاعة جيل الغد"، و"أجمل أغاني إيرانية وغربية من إذاعة الغد"، و"أجمل أغاني وأحدث أخبار من إذاعة الغد"، ولم ينس القائمون على هذه الإذاعة الجديدة أن يهمسوا في أذن الشباب الإيراني عبر فاصل إعلاني أن يخبروا بقية أصدقائهم عنها.

تأتي إذاعة فردا تقليدا للإذاعة العربية سوا التي بدأت البث للعالم العربي في مارس الماضي 2002، ولاقت رواجا بين الشباب العربي الكاره للسياسات الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، حسب تقدير المؤسسة الأمريكية المشرفة على الإذاعتين.

لماذا "فردا"؟

"تساعد الولايات المتحدة الأمريكية في إيصال الأخبار للشعب الإيراني منذ سنوات عبر إذاعة الحرية، لكن ما زال الشعب الإيراني يقول لنا: إنهم بحاجة لمزيد من البرامج الإذاعية والتلفزيونية؛ لأن عددًا من غير المنتخبين الذين يسيطرون على مقاليد الحكم في إيران ما زالوا يضعون العراقيل أمام الحصول على الأخبار غير المراقبة. ومن هذا المنطلق نحن نخدم طيفًا أكبر من الإيرانيين عبر نشر الأخبار والموسيقى والتقارير الثقافية خلال 24 ساعة ... ونحن نستمر في وقوفنا مع الشعب الإيراني في سعيه للحصول على الحرية والتقدم وحكومة صادقة ومؤثرة ونظام قضائي عادل وحكومة القانون".

بهذه الكلمات برر الرئيس الأمريكي جورج بوش في خطابه الافتتاحي لانطلاق إذاعة "فردا" السبت 21-12-2002، وهي محطة إذاعية باللغة الفارسية موجهة لفئة الشباب الإيراني الذين هم دون عمر الـ30 والذين يشكلون أكثر من 70% من الشعب الإيراني البالغ عدد سكانه قرابة 70 مليون نسمة.

تبث إذاعة "فردا" برامجها الإخبارية والموسيقية على مدار الساعة من العاصمة التشيكية براغ، ومع بدء بث إذاعة "فردا" توقف بث إذاعة الحرية التي كانت تذيع 180 دقيقة من الأخبار والتقارير والتحليلات السياسية والاقتصادية والثقافية في اليوم ضمن إذاعة أوروبا الحرة.

تأتي انطلاقة إذاعة فردا من العاصمة التشيكية براغ كامتداد طبيعي لإذاعة أوروبا الحرة التي شكّلت السلاح الإعلامي القوي للمعسكر الغربي أثناء الحرب الباردة، وكان لها دور كبير في إحداث الثورات الشعبية ضد الحكومات الشيوعية في أوروبا الشرقية في أواخر الثمانينيات، وكانت تبث برامجها من ألمانيا، ومع انتهاء الحرب الباردة لم تتخلَّ الولايات المتحدة الأمريكية عن هذه الوسيلة الدعائية، واستمرت في تمويلها بـ25 مليون دولار سنويا لضمان نشرها بـ27 لغة من لغات أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى، من ضمنها الفارسية.

"سوا" الفارسية

غير أنه يبدو أن نجاح تجربة إذاعة "سوا" التي تبث برامجها باللغة العربية موجهة إلى العالم العربي، دفعت الولايات المتحدة لتكرار نموذج مماثل باللغة الفارسية يخدم الأهداف الأمريكية في صراعها مع النظام الإيراني الذي تعتبره واشنطن أحد محاور الشر.

وتدار إذاعة "فردا" الفارسية من نفس الجهة التي تشرف على إذاعة سوا العربية وهي مجلس أمناء الإذاعات الدولية الأمريكية “BBG”، وتشبه سوا في التركيز على فئة الشباب ونشر الموسيقى الأمريكية والإيرانية الجديدة مع نشرات إخبارية قصيرة ومفصلة على مدار الساعة. تبث "فردا" برامجها 24 ساعة على الموجات المتوسطة وعلى الإذاعات الرقمية الفضائية وعلى الإنترنت، كما يتم بثها 21 ساعة في اليوم على الموجات القصيرة، وبهذا يتم بث 310 دقائق من الأخبار والبرامج الأصلية خلال اليوم بجانب الموسيقى الأمريكية والإيرانية، ويتم بث البرامج من واشنطن وبراغ لتذيع مرتين في الساعة أخبارًا وتقارير جديدة، وتقدم تقارير وأخبارًا مفصلة في نشراتها الصباحية والمسائية.

ويمكن لمستخدمي الإنترنت كذلك أن يستمعوا إلى برامج الإذاعة صوتًا ونصًا عبر موقعها على الشبكة www.radiofarda.com، ويصنف الموقع الأخبار والتقارير المذاعة ثلاثة أقسام، وهي: أخبار إيران، وأخبار العالم، والأخبار والتقارير الثقافية والفكرية، كما يحتوي على أرشيف كامل للأخبار والتقارير المذاعة. ويبدو أن ربط الشباب الإيراني بأمريكا ثقافيا وسياسيا هو أحد أهم أهداف إذاعة فردا التي تسعى لاستقطاب جماهير الشباب.

8 ملايين دولار ميزانية فردا

يتم توفير ميزانية فردا التي تصل إلى 8 ملايين دولار من قبل مجلس أمناء الإذاعات الدولية  Broadcasting Board of Governors، وهو إدارة مستقلة تتبع الإدارة الفيدرالية، وتشرف على جميع الإذاعات غير العسكرية التي ترعاها الولايات المتحدة، مثل "صوت أمريكا" و"أوروبا الحرة" وإذاعة "الحرية" وإذاعة "آسيا الحرة" وإذاعة وتلفزيوني "مارتي" و”worldnet”. وتقوم هذه الإذاعات بتقديم خدمات إخبارية وبرامج متنوعة لأكثر من 100 مليون إنسان بـ65 لغة وفي 125 مجالا من مجالات الحياة المتعددة. وتقوم هيئة من 9 أشخاص بإدارة هذه المؤسسة التي يرأسها حاليًا "كنِت. واي. تاميلسون"، كما يتمتع وزير الخارجية الأمريكي كولن باول بمنصب المشرف الأعلى على هذه المؤسسة المهمة التي تلعب قسم الدعاية والإعلان للوزارة الخارجية في الحقيقة.

ويقول تاميلسون عن فردا: "يشكل الشباب دون سن الثلاثين قرابة 70% من سكان إيران، ومعظم هؤلاء الشباب الشجعان يتحملون مسؤولية الكفاح من أجل الحرية والديمقراطية في بلدهم. فنحن أسسنا إذاعة فردا لهؤلاء. وفي الحقيقة نخدم جميع الشعب الإيراني، وتستمر برامجنا في صوت أمريكا والتلفزيون والإنترنت في مخاطبة الشعب الإيراني".

أما "نورمان.جي.بيتز" الذي يدير قسم الشرق الأوسط في BBG ويعتبر صاحب فكرة إذاعة سوا العربية.. فيؤكد على أن إذاعة فردا الفارسية تم تدشينها بناء على نتائج تجربة سوا العربية التي بدأت بثها في مارس الماضي 2002، ولاقت قبولا كبيرا ورواجا واسعا بين الشباب العرب، وذلك في أعقاب أحداث 11 سبتمبر، ولتحسين صورة أمريكا في أذهان الأجيال الشابة العربية عبر نشر الثقافة الأمريكية وتحقيق تواصل مستمر معهم.

اعتراضات أمريكية

لم يكن جيمي هلمز العضو الجمهوري المحافظ في مجلس الشيوخ وحده الذي اعترض على نشر الموسيقى بهذه الصورة من إذاعة فردا؛ نظرًا لإيجاد حساسيات ثقافية داخل إيران، بل ذهب الكاتب الأمريكي جيكسون ديل في زاويته في واشنطن بوست الإثنين 16-12-2002 إلى أن وقف إذاعة الحرية التي تحولت إلى منتدى سياسي يوجه الأحداث السياسية في إيران في أعقاب المظاهرات الطلابية، واستبدال إذاعة فردا بها التي تبث أغاني جنيفرلوبز وبريتني سبيرز لن يخدم الشعب الإيراني في كفاحه ضد ديكتاتورية الملالي.

وقال ديل: إنه يمكن فهم وجود شباب عرب في عمان وبيروت يتأثرون بالموسيقى الأمريكية؛ لأنها أحسن من التقارير التوثيقية الجاهزة التي تقدم من حكوماتهم الموالية للأمريكان. أما الأمر الذي لا يمكن فهمه فهو تطبيق التجربة في إيران؛ حيث يكافح الشباب الإيراني من أجل الحرية، ويرون بصيص النور في السياسات الأمريكية، وليس في الموسيقى الأمريكية.

لكن في الحقيقة يمكن النظر إلى إذاعة "فردا" من زاوية أخرى، وهي أن حكومة الرئيس بوش تسعى لاستثمار ما يسميه الغضب الشعبي في إيران ضد الممارسات القمعية للنظام الإيراني، وتهدف لمخاطبة طبقات الشعب الأكثر تأثيرًا في إحداث التغيرات عوضًا عن دعم التيار الإصلاحي داخل النظام الإيراني، وبالتالي توجه التيار الشعبي العارم الذي تعول عليه واشنطن في إيجاد تغير في النظام الإيراني لصالح المصالح الأمريكية في المنطقة.

ويبدو واضحا أن واشنطن تريد استهداف فئة الشباب، وتركز على الجانب الثقافي عبر نشر الموسيقى التي تجذب الشباب أكثر من غيرهم، وتجعلهم متعلقين بهذه الإذاعة التي تكون سهلة الوصول عبر الأمواج المتوسطة، وبالتالي يتم تقديم أخبار وتقارير سريعة على مدار الساعة؛ وهو ما يحقق توجيه الأحداث السياسية في الشارع الإيراني؛ حيث يلعب الشباب العنصر الأساسي في المشهد السياسي والثقافي الإيراني الجديد.

وتوجد هناك إذاعات أخرى تنشر الأخبار وبرامج متنوعة لإيران من الخارج، وأهمها إذاعة "بي بي سي"، و"صوت أمريكا"، و"الإذاعة الألمانية"، و"الإذاعة الإسرائيلية"… وإذاعات أخرى في دول الخليج، وإذاعات إيرانية يديرها معارضو النظام الإيراني من بغداد ومن دول أوروبية وأمريكا الشمالية.

بحثًا عن الغد الأمريكي

ومع وجود كل هذه الإذاعات تعتبر إذاعة فردا ببثها المستمر على مدار الساعة الإذاعةَ الوحيدة التي من الممكن أن تواجه الإذاعات الإيرانية التي تدعو الإيرانيين للوقوف في وجه الشيطان الأكبر "أمريكا"، وعدم الانجراف وراء الدعايات الأمريكية، وتحارب الثقافة الغربية التي بدأت في الانتشار في أوساط الشباب في المدن الإيرانية الكبيرة في ظل الانفتاح الذي شهدته إيران في السنوات الأخيرة.

ويتوقع بعض المراقبين للأوضاع الإيرانية أن بث إذاعة فردا قد يوجد جدلاً جديدًا بين التيارين المحافظ والإصلاحي داخل النظام الإيراني، وقد يطالب الإصلاحيون بمزيد من الحريات في المجال الإعلامي لمقاومة الهجمة الأمريكية الثقافية والإعلامية؛ لأن المزيد من القمع وعرقلة الحريات الإعلامية يولد ضغطاً شعبيًا متزايدًا قد يتحول إلى اعتراضات شعبية قد تصعب السيطرة عليها، وصدامات قد تخلف صدوعا وشروخا كبيرة بين الشعب الإيراني؛ الأمر الذي يخدم الأهداف الأمريكية في إيران على المدى البعيد.

لكن يشكك كثيرون في استجابة التيار المحافظ لمزيد من التنازلات في مجال الحريات العامة حفاظاً على شعارات الثورة الإسلامية التي بنيت الجمهورية الإسلامية على أساسها، والتفريط في هذه الأساسيات يُعتبر خيانة للثورة؛ الأمر الذي يرى كثيرون ضرورة قراءته في إطار الخلاف بين تياري المحافظين والإصلاحيين.

وفيما يستمر الصراع في أروقة النظام الإيراني حول الحريات العامة والحلال والحرام في عالم الفن والثقافة والإعلام، تبحث إذاعة "فردا" عن الغد الأمريكي في شوارع طهران التي تكتظ جدرانها بشعارات "مرك بر أمريكا" الموت لأمريكا.

 

** محلل سياسي


"لا دماء من أجل النفط"
خسارة أمريكية للحرب الإعلامية

2003/03/18

حسام شاكر **

"لا حرب من أجل النفط"، "لا دماء من أجل النفط".. شعاران شقيقان تعاني منهما الإدارة الأمريكية، التي تعودت على ربح حروبها العسكرية في الميدان الإعلامي قبل ربحها في ميدان الحروب والقتال، بما يخلق شعورًا متزايدًا لديها بأنها قد خسرت إلى حد كبير المعركة الإعلامية، وهي ترى عشرات الملايين في مختلف قارات المعمورة ينتفضون ضد سياستها التي صارت توصف بالفجاجة واللاأخلاقية، وتُتهم بأنها إنما تخوض الحروب، وخاصة حربها المتوقعة ضد العراق من أجل النفط من دون مبالاة بما تسببه الحروب من سفك دماء ومعاناة.

ولهذه الأسباب يسعى بعض الكتاب والصحافيين المقربين من الإدارة الأمريكية، ومن وزارة الدفاع تحديدًا، إلى الدفاع عن السياسة الأمريكية، ومحاولة تفنيد هذين الشعارين الأكثر رواجًا في العالم اليوم "عبر سيل هائل من الكتابات والندوات".

براميل الذهب الأسود

عندما استهل الكاتب ماكس بوت -العضو البارز في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي- مقاله الذي نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" في الثالث عشر من شباط (فبراير) 2003؛ فإنه كان يضع نصب عينيه هدفًا جوهريًّا محددًا؛ هو تقويض حجة "لا حرب من أجل النفط". وكأنما حاسته السياسية جعلته يستشعر أن هذا الشعار سيعلو مع مئات الآلاف من اللافتات المرفوعة بعد ذلك بيومين فقط، في مظاهرات الرفض للحرب التي اجتاحت الكوكب المضطرب. فبعد أن احتشد سبعة ملايين شخص حول العالم، يوم الخامس عشر من شباط (فبراير) 2003، رافعين هذا الشعار اللاذع، ومصوِّرين سيد البيت الأبيض على هيئات عدة لا تغيب عنها السخرية أو براميل الذهب الأسود، وكانت الشعارات التي تقرن الحرب والدماء بالنفط قد شاعت في الأصل إبان التحضير لحرب الخليج الثانية؛ إذ وجدت طريقها بسرعة إلى وعي الرأي العام العالمي، وباتت لا تخطئها العين في أي من مدن العالم؛ عبر لافتات وملصقات وشعارات جدارية، فضلاً عن التحركات المتعاظمة ضد الحرب الأمريكية الجديدة ضد بلد عربي لا يقل مخزونه النفطي عن 112.5 مليار برميل، بينما يعتقد أنه ينطوي على كميات هائلة غير مكتشفة على ضوء الشعور المتزايد بأن واشنطن تريد اليوم أن تحصد ما زرعته قبل عقد من الزمان.

فلم يتردد بوت أن يثير هذا التساؤل في مقاله "هل تتوجه أمريكا إلى العراق سعيًا وراء الذهب الأسود، كما تعتقد أغلبية دول أوروبا في أن الجشع هو الدافع وراء رغبتنا الإطاحة بصدام حسين؟".

ويعلق بوت على ذلك بالقول: "إن الاتهام جدير ظاهريًّا بالتصديق؛ لأنّ العراق يملك ثاني أكبر احتياطي معروف للنفط في العالم"، ومقابل هذا الاتهام سعى الكاتب إلى حشد الأدلة العددية التي يرى أنها كفيلة بتقويض الحجة القائلة بوجود أطماع نفطية أمريكية من وراء الحرب المحتملة، ولكن ذلك لم يمنعه من الإقرار بأن "الفائدة الاقتصادية الأخرى المحتملة في العراق هي أن تفوز الشركات الأمريكية بعقود لإخماد الحرائق (في آبار النفط)، وترميم معامل التكرير، والمساعدة في إعادة تشغيل صناعة البترول، كما فعلت في الكويت"، حسب ما يستنتج.

وهو يرى بالتالي أنه "لو كانت عُصبة رأسمالية هي التي تشرف على إدارة الحرب لكان عليها أن تتوصل إلى نتيجة، مفادها أنها ليست عملية مربحة"، على حد تعبيره.

وفي محاولة لدفع التهمة عن بلاده، والدفع بالكرة إلى الملعب الآخر، ذهب بوت إلى حد القول بأن "الأوروبيين يلصقون سلوكهم بنا. إنهم يعرفون أن الجشع كثيرًا ما كان في الماضي الدافع لسياساتهم الخارجية".

تناقض يسهل العثور عليه

ورغم كثافة المادة الصحافية الرامية لنزع الأطماع النفطية عن الحرب المحتملة؛ فإن المنابر الإعلامية التي تحفل بالتعليقات التي تأتي في هذا السياق تبدو في تناقض يسهل العثور عليه بقليل من التأمل.

ففي الصفحات السياسية ومساحات الرأي تتزاحم الحجج الرامية لإضفاء الطابع الأخلاقي على الحرب المكروهة من الرأي العام العالمي؛ فيأتي مثلاً تعليق لصحيفة "فايننتشال تايمز" منشور في الثاني والعشرين من شباط (فبراير) تحت عنوان "ليست حربًا من أجل النفط". بينما تغيب مثل هذه التعليقات تمامًا في الصفحات الاقتصادية لصالح ما يوحي بنقيضها. فلقد خصصت الصحيفة في عدد اليوم السابق لذلك 21 من شباط (فبراير) صفحة كاملة في إصدارها الألماني عن الاحتياطات النفطية للعراق، وتشير التقارير المنشورة في هذه الصفحة إلى أن "الخبراء يعتقدون بوجود مخزون نفطي هائل لم يُعثر عليه بعدُ غربي العراق"؛ وهو ما سيمثل "منافسة لمناطق الإنتاج الواقعة حول بحر قزوين"، حسب تقديرها.

اقتسام الكعكة.. أمريكيون وبريطانيون

ويستعرض تقرير آخر في "فايننتشال تايمز" الألمانية أبعاد الصراع بين الشركات الدولية متعددة الجنسية على الفوز بعقود التنقيب عن النفط واستخراجه، مشيرًا إلى مساعي الأمريكيين والبريطانيين لتعزيز نفوذهم في الحقول النفطية العراقية على حساب الروس والفرنسيين.

ويؤكد التقرير الذي أعدته كورولا هويوس من نيويورك أنه "حتى قبل أن تبدأ حرب ضد العراق تتصارع شركات النفط فيما بينها وراء الكواليس على الخروج بمراكز جيدة قدر الإمكان في مرحلة ما بعد الحرب".

ورغم أن الصمت ما زال سيد الموقف في أوساط عمالقة الصناعة النفطية في العالم؛ فإن الأمر قد لا يبقى على هذا النحو مع اقتراب ساعة الحسم المحتملة. ومن المفاجآت التي ينتظرها المراقبون طبيعة الصراع المقبل بين الشركات الأمريكية والبريطانية على اقتسام الكعكة العراقية في مرحلة ما بعد التغيير المفترض في بلاد الرافدين، والذي قد ينعكس على متانة الاصطفاف البريطاني في المسار الأمريكي.

أمريكا.. أرض الميعاد!

ولأن المقارنة المفزعة بين الدماء والنفط باتت هاجسًا يؤرِّق الساهرين على القضية؛ فإن الانتقادات التي واجهتها السياسة الأمريكية، وكذلك الرئيس الأمريكي جورج بوش تحتاج إلى أعجوبة لتفريغ الشعار ذي الإيقاع الرشيق من محتواه.

ويبدو أن الثقافة الأمريكية نالت حظها من الانتقاد، وذلك في حديث يوهان غالتون -النرويجي الباحث في دراسات السلام والحائز على جائزة نوبل البديلة- الذي نشرته أسبوعية "فيلت فوخه" السويسرية في عددها 38 الصادر في خريف 2002. إذ يرى غالتون أن "الأمريكيين مقتنعون بأن الرب اختارهم، وأن الولايات المتحدة الأمريكية هي أرض الميعاد خاصتهم، وأنهم في علو كبير بما يجعل القوانين الطبيعية للإنسانية أو حتى القوانين الدولية لا تسري عليهم إلا فيما يخدم أهدافهم".

ولم يخلُ الأمر من تسرب مشاعر السخط والرسوم الساخرة من الرئيس الأمريكي بوش إلى الصحافة الأوروبية بالتدريج، ودون تحفظات تذكر.

تحالف "الراغبين" - تحالف "المضطرين" = 3%

وفي وسط هذه الأمواج من الانتقادات بينت دراسة حديثة أعدها أحد مراكز الدراسات السياسية في الولايات المتحدة أن الإدارة الأمريكية تواجه مصاعب جمَّة في حشد التأييد اللازم لحربها على العراق. وأشارت إلى أن واشنطن أخفقت حتى الآن في حشد أي تأييد، سواء كان داخليًّا أو خارجيًّا لهذه الحرب.

وحللت الدراسة علاقة الولايات المتحدة مع الدول التي أيدت الحرب على العراق، وباتت معروفة باسم "تحالف الراغبين"؛ حيث بين هذا التحليل أن دعم دول "تحالف الراغبين" للحرب الأمريكية كان نتيجة "الضغوط والمضايقات والرشاوى من قبل واشنطن لهم، أو التهديد المبطن بعمل عسكري أمريكي يعرض مصالح هذه الدول بشكل مباشر للتهديد؛ لدرجة أن الدراسة وصفت التحالف بأنه تحالف المضطرين، الذي يتعارض بشكل مباشر مع قيم الديمقراطية، التي تحاول واشنطن أخذها في الحسبان".

وبعض الدول الأخرى تخشى مضاعفات عدم تعاونها مع القوة العظمى الوحيدة في العالم، والتي هدَّد رئيسها علنًا بعد أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001 بأن دول العالم عليها أن تقف "إما معنا أو مع الإرهابيين".

ومع أن الإدارة الأمريكية ترفض إصدار قائمة رسمية بأسماء هذه الدول؛ فإن التقارير الصحفية تظهر أن هناك 34 دولة مؤيدة لموقف الولايات المتحدة. ويقول المسئولون الأمريكيون: إن هذا يشكل دعمًا متعدد الأطراف بشكل قوي للموقف الأمريكي، لكن من المفيد القول بأن هذه الدول لا تشكل أكثر من 10% من سكان العالم.

وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن 75% من سكان هذه الدول الأعضاء في "تحالف الراغبين" يعارضون الحرب على العراق؛ فبالإمكان الاستنتاج أن 3% فقط من سكان العالم يؤيدون الحرب. وإذا ما نظر المرء عن قرب إلى لائحة الدول الأعضاء في هذا "التحالف" فإنه يجد أنها جميعًا معرضة للضغوط الأمريكية بشكل كبير، وأنها رضخت بسبب مصالح عسكرية أو مصالح اقتصادية، وفق ما أوردته الدراسة.

وبذلك يتوجب على كتّاب الأعمدة ومعلقي التلفزة والمحاضرين في الندوات العامة أن يستميتوا في محاولة إقناع هذه السيول البشرية التي حملت اللافتات الرافضة للحرب من أجل النفط بأن خروجهم في منتصف شباط (فبراير) إلى الميادين الكبرى لم يكن قرارًا صائبًا.  


 

البروباجندا.. لعبة تقود للحرب

2003/02/16

داليا يوسف **

إذا ما أردت أن تدير مسرحًا للأعمال العسكرية فغالبا ما تحتاج لما يسمى في الخطط العسكرية -الكلاسيكية منها والحديثة- بالتمهيد النيراني.. وهو الشيء نفسه الذي تحتاجه لتقود مجتمعا إلى الحرب عبر تكنيك الدعاية أو "البروباجندا" ولا يعد ذلك محض ادعاء، ولكن ما أثبتته وثائق التاريخ ومشاهدات الحاضر.

وإذا ما أردنا أن نكتشف قواعد اللعبة فإن ذلك يجعلنا نبدأ بالكلمة بنفسها.. فكلمة بروباجندا تشير لأي تكنيك أو شكل من الاتصال يحاول التأثير على الآراء والمشاعر والمواقف والسلوك لمجموعة، وذلك لصالح راعٍ ما sponsor سواء بشكل مباشر أو غير مباشر وهدفها الإقناع. والإنسان كثيرا ما يستعمل حيلة البروباجندا حتى مع نفسه.

وربما يرى البعض فيها كلمة سيئة السمعة، إلا أن آخرين لا يرون فيها سوى تكنيك ليس له شأن بالسلبي أو الإيجابي، ورغم أن الدعاية قد تعمل لخدمة أناس يحملون قضية فإن ذلك دائما ما يكون مصاحبا بقدر من المبالغة وعدم اتزان العرض misrepresenting بل وحتى الكذب في بعض القضايا من أجل الحصول على الدعم.

أما وفقا للقاموس السياسي Political Dic , Fast time , Inc، فالبروباجندا هي كلمة لاتينية أول من استخدمها هو الأب جريجوري الخامس عشر (1622م) حيث أسس ما عرف بالدعاية الجماعية المقدسة sacred congregational propaganda، وهي مفوضية (لجنة) صممت لنشر العقيدة الكاثوليكية في العالم، ومنذ ذلك أُخذت البروباجندا بمعنى أوسع وهو نشر أي تكنيك في الكتابة والخطابة والموسيقى والسينما والوسائل الأخرى بهدف التأثير على الرأي العام.

النصيحة.. أبق عينيك مفتوحتين

ووفقا لعدد من المصادر فإن صناع البروباجندا يضعون عددا من الرسائل في كل قطعة وذلك للتحايل على قدرتنا على قراءة هذه الرسائل.. وبذلك فعلينا قراءتها جيداً حتى لا ننخدع بها.. فقد تحمل رسائل جيدة، إلا أننا علينا الفهم في كل الأحوال.

وإذا انتقلنا من التعريفات إلى التكنيكات وجدنا أن صناع البروباجندا عادة ما يعمدون إلى تكنيكات محددة والتي من أهمها اللغة المحملة بالدلالات Loaded language التي يجعلنا الانتباه لها أكثر قدرة على أن نرى العبارات التي تبدو أوصافا محايدة وهي تتكشف عن أحكام قيمية. فعلى سبيل المثال لو أنك تفضل إحدى الجماعات فقد تدعوهم بـ"جماعة لمناصرة المصلحة العامة"، وإذا كنت لا تفعل فربما تدعوهم بـ"جماعة ضغط"، وفي الشأن الخارجي قد تصف جماعة بأنها "تحارب الاستقلال" أما لو كنت لا تتفق مع قضيتهم فسوف تدعوهم "بالحركة الانفصالية".

والسؤال هو: كيف نرى ونتعامل مع البروباجندا؟

والمسألة هنا تعتمد على عدة أشياء منها الشخصية.. ما تحب وما تكره، القناعات، وربما الأكثر أهمية: التوقيت.

وعموما فنصيحة الخبراء لك: "أبق عينيك وأذنيك مفتوحتين وتساءل عن كل شيء".  

في أجواء الحرب

وإذا كان هذا هو الحال في الأجواء المعتادة فإن الأمر يتعقد وينتعش في أجواء الحرب أو الإعداد لها،  وعلى سبيل المثال فإن المناخ الذي صاحب الإعداد لحملة مكافحة الإرهاب -عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر- أنعش التساؤلات والمراجعات حول الأداء الإعلامي الأمريكي والتدشين للحرب، وبالرغم من صعوبة المراجعات والانتقادات في هذه الأجواء فإن البعض قاوم الأمر وقرأ المشهد بعدسات مختلفة تماما مثلما فعل روبرت ميكشيني مؤلف كتاب "الميديا الغنية.. الديمقراطية الفقيرة" والذي رأى أن الصحفيين والإعلاميين تحديدا عليهم أن يراقبوا ظهورهم مرتين في الحرب المعلنة ضد الإرهاب (مشيرا إلى بحثهم عن الأمن والحقيقة في آن واحد).

 ويستمر روبرت ميكشيني في تقييمه للأداء الإعلامي ليشير إلى أن للأمر أثره السلبي على وسائل الإعلام، سواء في تضييق سيل المعلومات الصادر من الجهات الرسمية والبيت الأبيض أو السماح للصحفيين بالتواجد في مسرح الأعمال العسكرية، كما أن هناك ما يمكن أن نطلق عليه الرقابة الذاتية (عبر وسائل الإعلام نفسها) من شطب وحذف في بعض البرامج التلفزيونية أو فصل بعض كتاب الأعمدة - في حوادث قليلة - لكتابتهم ما يظنونه صحيحاً.

وفي إطار الانتقاد نفسه قدمت  Fairness and accuracy in report (fair) دراسة لعام 2001 عن NBC Night news , CBS Evening news , ABC world news Tonight  ليجدوا أن 92% من المصادر الأمريكية التي تم استضافتهم كانوا من البيض، 85% منهم ذكور، وحين كان الانتماء الحزبي يذكر فإن 75% منهم كانوا جمهوريين وبالطبع لم تكن تلك الدراسة كاملة للإعلام السائد إلا أنها تشير طبقا لما وصفه أصحاب الدراسة إلى أن هناك تمييزا سياسيا واضحا ربما في أكثر وسائل الإعلام السائدة شعبية.

وفي أجواء هذا الخطاب السطحي فإن التغطية الإعلامية لكثير من القضايا تصبح في مأزق حقيقي، وتصبح محاولات المراجعة كحجر يلقى في البحيرة الراكدة مثل ذلك الالتماس الذي وقع عليه -في منتصف أكتوبر من عام 2001 على إثر أحداث الحادي عشر من سبتمبر- أكثر من 250 باحث اتصالات وإعلام حول العالم وكانت دعوة لالتماس صحافة أكثر تعقلا عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر. ورغم أن توصيات الالتماس قد نجدها -في ظروف مختلفة- ليست أكثر من مجرد إعادة وتكرار للقواعد الصحفية المتعارف عليها، إلا أن هذه الأجواء تفرض ضرورة التأكيد عليها والتي كان من بينها:

- اتساع وتوازن مصادر ودوائر المعلومات التي يتم بثها والنقل عنها حتى لا تقتصر على المسئولين الحاليين والسابقين العسكريين والحكوميين فتتسع لتضم الأكاديميين الدوليين والمحليين، والمحللين والقادة المدنيين.

- دمج الأبعاد التاريخية والثقافية والدينية في المقابلات والتقارير المكتوبة وحيثما يتاح، بدلا من التعامل معها كموضوعات منفصلة معزولة عن التقارير الروتينية.

- اختيار اللغة والصور الأكثر نزاهة والتي تصف الأحداث بدقة وتتجنب تبني المصطلحات الروتينية والتفسيرات المستخدمة عبر المسئولين الحكوميين.

- تحديد تكرار استخدام الصور المتطرفة والتي تتسم بالمبالغة العاكسة للدمار والعنف والمعاناة.

الرؤية بدون عدسات

وهناك عدد من المراقبين والمتخصصين يرون أن معظم التغطية الصحفية عقب 11/9 لا تكاد تحقق هذه المعايير، وهو ما لاحظه آرون كاستلان كارجيل أحد موقعي الالتماس ومدير الدراسات العليا في جامعة ولاية كاليفورنيا ليقول: "إن التغطية في شبكات الأخبار والمجلات الإخبارية يبدو كأنها تبنت هدف تحضيرنا للحرب، بدلا من إثارة سؤال مثل: كيف وصلت الأمور لهذا الحد؟ لمن ستكون تلك الحروب؟" وأكمل: "لقد كنت محبطا بشدة من العدسات غير النقدية التي استخدمها الأمريكيون لمشاهدة الأمر".

أما  "روبرت ميكشيني" فكان أكثر صراحة واصفا أغلب التغطية الإعلامية فيما بعد 11/9 بأنها كانت "دعاية صارخة"، وأضاف: لقد فعل الإعلام كل شيء إلا ما يجب عليه فعله وهو مد المواطن الأمريكي بالسياق الذي يمكن من فهم أسباب ما يحدث.

"الدعاية الصارخة" التي تحدث عنها "ميكشيني" لها في الولايات المتحدة الأمريكية تاريخ، وصفه المفكر الأمريكي "ناعوم تشومسكي" بالمثير، وأوضح أن جوانب كثيرة من هذا التاريخ نتجت عن الحرب العالمية الأولى التي كانت نقطة تحول كبيرة، غيرت من وضع الولايات المتحدة في العالم؛ ففي القرن الثامن عشر كانت الولايات المتحدة بالفعل أكثر البقاع غنى، وبكل هذه المميزات ومع نهاية القرن الـ19 كانت الولايات المتحدة الأمريكية تمتلك الاقتصاد الأغنى، لكنها لم تكن اللاعب الأكبر في المشهد العالمي.

 وخلال الحرب العالمية الأولى تغيرت العلاقات بشكل أكثر درامية؛ فصحيح  أن الولايات المتحدة تمت لها السيادة بعد الحرب العالمية الثانية، ولكن تغيرًا حقيقيًّا بدا بعد الحرب العالمية الأولى؛ إذ كانت المرة الأولى التي تشهد فيها  البلاد (الولايات المتحدة الأمريكية) دعاية منظمة من قبل الدولة.. كان للبريطانيين وزارة للمعلومات، وكانوا بحاجة فعلية لذلك ليضمنوا دفع أمريكا للدخول إلى الحرب، وإلا واجهوا مشكلة صعبة، كانت مهمة تلك الوزارة بالأساس إرسال الدعاية التي تضم اختلاقات كبيرة عن وحشية "الألمان المحبين للتدمير".

ويستمر تشومسكي "أما في الولايات المتحدة نفسها؛ فكان نظيرهم الرئيس ويلسون  الذي انتخب في 1916 على أساس معاداة الحرب، الولايات المتحدة كانت دولة سلامية.. الناس لم تكن ترغب في حروب خارجية، كانت معارضة تماما للحرب العالمية الأولى، وكان انتخاب ويلسون مرتبطا بهذا الأمر.. فقد كان شعار البلاد وقتها هو "السلام دون انتصار"، ولكن ويلسون كان ينوي الذهاب للحرب، وبقي السؤال: كيف يمكنك أن تحول شعبًا يبغي أفراده السلام  إلى مجانين مناهضين للألمان، ولديهم الرغبة في الذهاب لقتلهم؟! إن ذلك يستدعي دعاية (بروباجندا)".

وهكذا أنشأت الدولة أول وكالة دعاية في تاريخ الولايات المتحدة "لجنة المعلومات العامة" التي سميت أيضا لجنة "كريل" creel ؛ لأن الشاب الذي أدارها كان يدعى كريل. وكان مهمة اللجنة أن تقوم بالدعاية بين الناس لتخلق حالة من الهستيريا الشوفينية (أي الغلو في الوطنية)، ووصفها المعلقون بأنها عملت بشكل رائع؛ ففي غضون شهور قليلة كان سعار حرب يجتاح البلاد، وأصبح بإمكان أمريكا الدخول للحرب.

أحد قادة هذه اللجنة كان له كتاب خرج فيما بعد بعنوان "بروباجندا"، وصفه بأنه تطبيق لدروس الحرب العالمية الأولى؛ ليقول: إن بإمكانك "أن تنظم بصرامة العقل العام في كل جزء منه تماما كما ينظم الجيش أجساد الناس".

المشهد الذي تحدث عنه تشومسكي علينا أن نضعه أمامنا، ونحن نتابع جهود الدعاية في التحضير لضرب العراق 2003؛ حيث توظف تكنيكات البروباجندا.

وقد عرف الخبراء مراحل عديدة تعد مفتاحية "لتلطيف" soften up الرأي العام تجاه الحملات أو التدخل العسكري عبر الميديا وذلك في التحضير للتدخل العسكري وهي:

المرحلة الابتدائية The preliminary stage

وخلالها تصعد البلد المقصودة للأخبار، والسبب للاهتمام المتصاعد قد يكون:

الفقر، الديكتاتورية، الفوضوية...

مرحلة الإقناع The justification stage

وخلال ذلك تنتج أخبار ضخمة تعطي مبررا وعجلة urgency لقضية التدخل العسكري وذلك لعودة الأمور لطبيعتها.

مرحلة التنفيذ The implementation stage

حيث تعمل الرقابة العسكرية غالبا على التحكم في التغطية.

مرحلة ما بعد (النتيجة) The aftermath

وتصور بعدها الأمور وقد عادت لطبيعتها قبل أن تسقط أخبار تلك البقعة من الأجندة.

ودائما ما تكون هناك قصص للانتهاك بحيث تكون نقطة الانطلاق لمرحلة الإقناع، وهي القصص التي لا تتحمل التأخير أو التأمل بعمق في أي من المفاوضات.. وتكون قصص انتهاك حقوق الإنسان (أو ربما أسلحة الدمار الشامل!!) مثالية في خلق هذا المناخ.

أما فيليب نايتلي Phillip knightly في جريدة الجارديان 20-3-2000 فقد حدد 3 نقاط لتحضير أمة للحرب:

1- الأزمة The crisis والتي تظهر فيها التقارير وكأن الأزمة لا يمكن حلها عبر المفاوضات، وتأتي تقارير الإعلام تقول "الحرب حتمية" – مرة أخرى تذكّر العراق.

2- تشويه صورة قائد العدو leader The enemy ومقارنته بهتلر وهي بداية جيدة وذلك للصورة الذهنية التي يمثلها اسم هتلر.

3– نشر البشاعات Atrocities بوضع قصص واختلاقات لتقوية ردود الأفعال العاطفية.

بين الجيش والميديا

ويذكر الكاتب الصحفي phillip knightley  في جريدة الجارديان في مقال له عن التحكم في مدى مصداقية الأخبار وما ينشر عن أسباب الحملات العسكرية أن "أحد الصعوبات أن الإعلام ليس له سوى ذاكرة قصيرة فالمراسلون العسكريون أعمارهم قصيرة، ولا يوجد تقليد أو وسائل للتواصل مع  معارفهم أو خبراتهم، و على الجانب الآخر يظهر الجيش كمؤسسة تسير إلى ما لا نهاية، الجيش - في إشارة للمؤسسة العسكرية الأمريكية - تعلم الكثير من فيتنام، و في هذه الأيام فهو يخطط لإستراتيجيته الإعلامية بنفس درجة الاهتمام التي يضع بها إستراتيجية عسكرية إذ حاول جاهدا أن يتابع الميديا عبر تنظيم جلسات للعاملين بها أو ملخصات صحفية يومية أو بتوفير وصول محكم (مدار) لمناطق الحرب".

إن التحكم العسكري في المعلومات أثناء فترة الحرب يعد عاملا مساهما للبروباجندا خاصة حينما تذهب الميديا معه دون سؤال، إن الجيش يعلم جيدا قيمة الميديا والتحكم فيها ، فالمعلومات بالنسبة له هي "عملة النصر"، ومن المنظور العسكري فإن حرب المعلومات هي جبهة أخرى للمعركة، وتحتاج -في الأغلب- لنوع من الخداع لضمان دعم الرأي العام.

وكنتيجة لذلك فإن من المهم وضع عناصر البروباجندا في أذهاننا حينما نشاهد تغطية الصراعات أو حتى القضايا الأخرى في وسائل الإعلام بصرف النظر عن المؤسسات الإعلامية وشهرتها المعروفة، وهي الرسالة التي نود التنويه لها في متابعتنا للأحداث الجارية سواء في التغطية الإعلامية لقضية الاستعداد لضرب العراق أو غيرها من قضايا محورية.

وليس من درس أشد قسوة وأكثر قدرة على جعلنا نستوعب طبيعة هذه الآلة الرهيبة "الدعاية" مثل "القضية الفلسطينية"؛ حيث يقول إدوارد سعيد في مقال له بـ"الأهرام ويكلي" في أغسطس 2001: "لم تكن الميديا بهذا القدر من التأثير في توجيه خطاب الحرب، مثلما هي في انتفاضة الأقصى التي أصبحت أساسا معركة حول التصورات الذهنية والأفكار، وإسرائيل بالفعل دفعت بمئات الملايين من الدولارات فيما يعرف بالعبرية هاسبرا hasbara  أو معلومات للعالم الخارجي؛ بما يعني البروباجندا.

ويقول: الفلسطينيون في غزة والضفة يموتون، ليس فقط لأن الإسرائيليين يمتلكون القوة مع توفر الحصانة، لكن لأنه ولأول مرة في التاريخ المعاصر يبرز التحالف النشيط بين البروباجندا في الغرب والقوة العسكرية لصالح إسرائيل وداعميها..

ويستمر إدوارد سعيد واصفا لنا ضعف الرد الفعل العربي تجاه هذا الوجه من وجوه الصراع: "ومنذ عام 1948 فإن القادة العرب لم يعكروا صفوهم بمواجهة بروباجندا إسرائيل في أمريكا، كل الأموال العربية الهائلة استثمرت في النفقات الحربية في الاتحاد السوفيتي، ثم التسلح الغربي؛ وهو ما كان يتم إفساده؛ لأن هذه الجهود لم تكمن محمية بالمعلومات، أو تعمل هيئات متخصصة على شرحها بصورة منتظمة، والنتيجة حرفيا أن مئات الآلاف من أرواح العرب ضاعت من أجل لا شيء، لا شيء على الإطلاق، ومواطنو القوة الوحيدة في العالم (أمريكا)  دفعوا ليؤمنوا بأن كل ما يفعله العرب عنيف، متطرف، ومعاد للسامية".  

ثم يُظهر قدرًا من الأمل يسطع في استخدامنا لهذه الآلة، واصفا جهد اللجنة العربية لمناهضة التمييز في الولايات المتحدة الأمريكية وحملتها التي تنظم لصالح استرداد الفلسطينيين لتاريخهم؛ لتظهرهم -كما كانوا دائما- بشرا people like us يحاربون للحق والعيش بحرية.. لتربية أطفالهم والموت بسلام..  وحينما تنفذ أشعة هذه القصة إلى الضمير الأمريكي؛ فالحقيقة –كما آمل– ستبدأ في الظهور لتنقشع سحب البروباجندا الشريرة التي استخدمتها إسرائيل لتغطية الحقيقة. 

لعل أمل إدوارد سعيد يتحقق، بيد أن سحبًا كثيرة بدأت تتراكم في سمائنا!.


 كارثة أمة تتآكل أمامنا ونحن لاهون او ساكتون
ماَسات الإفتراس االروسي للشيشان
المستهدف هو العالم الإسلامي كله
تغيير الطلاء ليس حلا !
ما العمل؟ مقالات هويدي في مواجهة الكارثة
الاتجاه التهويدي في منع مقالات فهمي هويدي!
هجومات اليهود اليومية على المدن الفلسطينية!
الغضب صار فرض عين
اليهود وإسرائيل في قلب الحرب على العراق
المشروع الصهيوني قابل للهزيمة
فعاليات الشباب الدينية والأمن الداخلي للدولة
إلغاء الجهاد من المناهج لن يحذفه من العقل الاسلامي
الصهاينة يريدون تهويد الإسلام
"سلام" أم بذورإستسلام للإحتلال اليهودي؟
المراهنة على شعوبنا هي الحل
ما هي بذور و منابع الشرو"الإرهاب"؟

حملة يهودية لتفكيك الإسلام
الغزو اليهودي الذي بدأ
حرب إعلامية يهودية شاملة
إعلان المتصهينين لحرب إستئصالية على الإسلام
اليهود لن يرضوا عنا الا إذا صرنا عبيداً
لهم
لن نستطيع كسب أي معركة بجيش من المقهورين

العراق: نموذج لتحرير المواطنين دون الوطن
 حوارمع هويدي حول قضايا الأمة الإسلامية
حروب ثلاث في الجعبة
التقريب بين المذاهب أو الانشغال بالتفريق
العراك في العراق
إيران والعرب في قارب واحد
أكراد العراق يلعبون بالنار
مطلوب إدانة إسلامية لقتل الشيعة في العراق
خطأ الغرب في التشخيص وفي العلاج

إحتفاء حكامنا الخونة المخجل بشارون... وغضب شعبي عاجز
بيانات "التضامن" العاجز و معركة الأمعاء الخاوية
لماذا الهجوم علىعناصر المقاومة في الجسم الإسلامي الجريح ؟
إسرائيل تدفع الولايات المتحدة للسيطرة على العالم لصالح واليهود
Comments about Mr. Howiedi´s book
SILENCE IN THE FACE OF INJUSTICE IS A CRIME
Entretien avec le penseur islamiste Fahmi Howeidi
تعقيبات


HOME